مجاشع التميمي
لطالما كانت التجارب الناجحة في العديد من الدول، محط اهتمام للكثير من البلدان، وفي مقدمتها العراق، الذي يسعى بكل قوة لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية.
وعند الحديث عن التجارب الناجحة للدول، لا بد أن نستحضر التجربة الماليزية كنموذج متميز في التحول من دولة فقيرة إلى واحدة من أبرز القوى الاقتصادية في جنوب شرق آسيا.
وفي مراجعة سريعة لتسلسل الأحداث الدولية، وتحديداً قبل عام 1981، كانت ماليزيا تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة، حيث كان أكثر من 70% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، في وقت كان الاقتصاد يعتمد بشكل رئيس على تصدير المواد الأولية مثل المطاط والقصدير، مع وجود تفاوت واسع في توزيع الثروات. كما كان المجتمع الماليزي يعاني من انقسامات عرقية، ما خلق تحديات اجتماعية وسياسية كبيرة.
لكن سرعان ما تغيرت الأوضاع في هذا البلد، بسبب أن مهاتير محمد الذي ترأس الحكومة في عام 1981. لم يكن مجرد قائد سياسي، بل صاحب رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء دولة صناعية متقدمة.
وعندما تولى مهاتير رئاسة الحكومة، كان أمامه تحديات جسيمة، لكنه استطاع تحويل هذه التحديات إلى فرص، بدءا من تطوير التعليم، إلى تعزيز ثقافة العمل والتعايش بين الأعراق المختلفة، من خلال رؤيته العميقة، التي ركزت على التعليم الفني والتقني، إذ خصص ربع الناتج المحلي لهذا القطاع الحيوي، وأرسل الطلبة الماليزيين إلى اليابان لتدريبهم على مهارات العمل الصناعي. هذه الخطوة أسهمت في بناء قاعدة صناعية قوية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تركيز مهاتير على تأهيل الكوادر البشرية، جاء من نظرته بأن الاستثمار في التعليم هو الركيزة الأساسية للتحول، فإرسال مئات الطلبة الماليزيين لتعلم الصناعات الحديثة في اليابان، جذب الشركات اليابانية إلى ماليزيا في الثمانينيات، كما عمل على تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير تسهيلات للمستثمرين، الأمر الذي ساعد في بناء قطاع صناعي قوي.
تتمثل أبرز الدروس التي يمكن أن يستفيد منها العراق من التجربة الماليزية، بأهمية التعليم الفني، بدلاً من التركيز المفرط على الشهادات العليا، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في النظام التعليمي، وتعزيز الاهتمام بالتعليم المهني والتقني الذي يسهم في بناء قاعدة صناعية قوية.
وكما فعل مهاتير مع "رؤية ماليزيا 2020"، يجب على العراق تبني رؤية استراتيجية واضحة تهدف إلى التحول الاقتصادي طويل المدى، والإفادة من الخبرات العالمية عبر تعزيز التعاون مع الدول المتقدمة في مجال التدريب والتطوير.