د. أثير ناظم الجاسور
كل ما يدور داخل العقل من أفكار وتقلبات مزاجية وخطط نُحاول أن تكون في ما بعد في متناول اليد، بعد أن نستمكن من أدواتها الخ... هي مجموعة صور ترسَّخت داخل هذا الصندوق المملوء بكل شيء (العقل)، لكن يبقى السؤال هل جميع الصور صادقة، أم أنها مجزَّأة بين واقع من الممكن تحقيقه وأخرى أمنيات نرغب بتحقيقها؟
مذ كنا صغاراً ترسخت في ذاكرة الطفولة أن الدببة حيوانات طيبة بألوان مختلفة، وفق ما رسمته عقلية الرسوم المتحركة، وهذا ما جعل من ذلك الطفل يُكوّن صورة عظيمة عن دببة طيبة تحولت في شبابه إلى هدايا تعبيراً عن الحب، والحقيقة غير ذلك بالتأكيد مع تفاوت درجات الافتراس والشراسة قياساً بحيوانات أخرى، وكم من سرديات وقصص بنت بمختلف الطرق واقعاً أو مُتخيلاً لعب دوراً في ما بعد من خلال رسم صور تناقضت بالتطبيق، لتُحدث خللاً لا يمكن أن تتم معالجته، لأن الصورة النهائية هي ولا تزال كانت الوسيلة الوحيدة لفهم ما تم حشوه طيلة سنوات.
عالم اليوم بمختلف المستقيمات والمنحنيات والدوائر والأشكال، لا تتم مشاهدته إلا من خلال صور سياسية كانت أم عسكرية وحتى اقتصادية، هذه الصور هي من جعلت العقل الإنساني يفكر ببناء تجمعات الرفاهية والحياة الكريمة والبؤس ( تقسيمات واقعية للإنسان)، وهذا التقسيم ناتج عن مخرجات الأنظمة المقسَّمة، وفق تصنيف الأقوى والقوي والأقل قوة والضعيف وفق متبنّيات السياسة والاجتماع وبقية العلوم الاأخرى، لكن الحقيقة هناك فجوة كبيرة بين ما يتبناه العقل والواقع هي صور تجمع مجموعة من سجناء المشاهدة والتفكير، الساحة الدولية اليوم تشهد وفق توصيف الكُتاب والأكاديميين والباحثين صعود قوى منافسة للقوة الأميركية، تطلق عليها تسمية القوى الصاعدة، بالرغم من أن هذا الصعود تم التركيز عليه في جوانبه الاقتصادية، وقد تكون السياسية في بعض الجوانب، لكن هذه القوى لا يزال تُفرض عليها العقوبات من قبل القوة الأكبر من دون اكتراث الأخيرة لخطورة الصعود والهبوط، بالمحصلة ما دور هذه القوى في تحجيم دور أمريكا وحلفائها ضمن الصراع العالمي؟، أيضاً تتحدث الصورة دون تورية عن صراع العمالقة لكن بذات الوقت العمالقة لا قدرة لهم على تحقيق ما يريدون فعله بوجود كبيرهم (أمريكا)، فكل طرف يُحدث أبناءه عن الخطر، الذي يحيطه من وجهة ما يُحيلنا إلى قصة الدودة، التي تؤكد بكل قناعة لأولادها أن الأسد والفهد والتمساح لطيفون جداً، وأن أخطر الحيوانات وأشرسها هي الدجاج والعصافير، هي الصورة ذاتها عن إشكالية الإنسانية في فكر الجماعات والدول، الذين يُعرفون كل ما له علاقة بالإنسانية على اعتباره فكراً مغلقاً لهم.
بالمقابل كل الصور هي وسيلة لمشاهدة ما قد يعجز الإنسان عن فهمه وتفسير واقع قد يكون يحمل في طياته معاني غير منطقية، في ما يتعلق بحياتنا اليومية على سبيل المثال يُحاول الجميع إيصال فكرة أن من واجبات الدولة ( الحكومات)، أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب وأن يكون حملة الشهادات والمختصون هم من يتصدرون مواقع المسؤولية، في حين كانت الفكرة مغايرة في فيلم (معالي الوزير) للفنان للراحل أحمد زكي، وهو يتحدث عن حال مصر بالقول إن هذه البلاد لا يمكن أن تستقيم الا إذا تولى وزارة الصحة (عيَّان) أي مريض، وأن يتولى وزارة العدل مظلوم، ونعود للسؤال الأهم أي الصورتين أصدق؟، تبقى الصورة الأكثر وضوحاً والأكثر صدقاً هي تلك التي نراها بكل ألوانها وتفاصيلها، التي تُجسِّد واقعاً حتى إن كنا لا نؤمن به، لكن من المنطق أن نعمل على تصديقه ونعمل أيضاً جاهدين على أن نكون أكثر واقعية في تفسير المواقف، لأن كل صور العقل المبنية على التمنّي هي رُسمت بعد أن وقع ذلك الصراع العظيم بين العقل والعاطفة، لتُنتج سيناريو اأشبه بالخيال من الصعب استيعابه.
نهاية كل حكاية صورة عبرت عن فكرة لاعتبارات أن البداية كل يوم هي فكرة جديدة، وحالة لا بد من استيعابها والاستعداد لتقبل كل الألوان، التي تشكل عملية بناء سياسية واجتماعية وثقافية تلعب دوراً في تأسيس مساحات قادرين فيها على تبنِّي كل ما له علاقة بديمومة الحياة.