العبوديَّة والخيار الإنساني

آراء 2024/12/02
...

  د. عبد الرضا البهادلي

ولد الإنسان حرًا طليقا سخرت له الارض وما فيها من كنوز وخيرات شاسعة متعددة ومتنوعة  تفي بالغرض، بل ربما زائدة عن حاجته الفعلية يوم ذاك، ومن أجل التطلع  إلى  مظاهر القوة الحيوانية الكامنة في النفس البشرية، استعبد الانسان أخيه الانسان. لا يوجد اتفاق شبه جازم عن العبودية والرق في بداياتها الحقيقية وعلى اي أرض انبتت ومتى دخل اللون كظاهرة للنظرة الدونية من قبل اخية الانسان، وهل مثل ذلك بداية انهيار القيم الدفينة واستخدام القوة وفي أي مكان حصل اول استعباد للإنسان، وهل يدخل ضمن ما رسخ في أذهان الناس بعد قرون كثيرة من أن الحاجة أم الاختراع؟ وهل تعد العبودية اختراعاً أم حدثت نتيجة اتفاق بعد أن وجد في ثقافة الكثير من الأمم بعبارة أخرى أي في الحضارات القديمة من أن الفرد في حالة تعذره من سداد الدين يصبح عبدا... ولعل الحروب كانت السبب القوي لحالة الاستعباد البشري. كل هذه الأسئلة فاقدة للإجابة النهائية.. لأن بداية الرق لازالت غامضة على هذه المعمورة  والتي كانت لأرضنا فيها قصب السبق في المدنية والحضارة، بدءا من أور ومرورا على ببابل وعروجا إلى اشور، ومعظم الأثريين يضعوننا في الصف الأول من الشعوب والأمم، التي أنجبت المدنية بمشاركتها الرائدة في مجال تطوير الثقافة الإنسانية. لكن العبودية لا يعلم من أين خرجت وفي أي عصر انتشرت. حتى أن الديانات السماوية حارت بها ولم تستطع أن تقضي عليها، على الرغم من المنظومة التربوية والسلوكية التي نادت بها. والإسلام من تلك الأديان حاول بكل ما أوتي من زخم روحي لتقويض هذه الظاهرة غير الإنسانية. ويبدو أن الإسلام حاول حل قضية الرق من خلال "ترغيبات" العتق عبر أدبيات الاسلام في إدخال هذه الموضوعة في أتون الأحكام الشرعية. وظلت ظاهرة الاستعباد مستشرية حتى القرن التاسع عشر، الذي أصبح قرن تحرير العبيد وليس التحرر من العنصرية. فمن أمريكا أُقرَّ التحرير وبعد عقود أقرَّ العمل به بيد أن لم يتم  التحرر من النظرة الفوقية والدونية، التي ظلت حاضرة حتى المنتصف من القرن الماضي وبداية الالتفات والمصالحة للزنوج، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية.  وذوو البشرة السمراء حاولوا لمرات متعددة في الثورة على الاستعباد لكنهم لم يصمدوا أمام الزحف الابيض المنتعش منهم اقتصاديا. ومن تلك الثورات العارمة ثورة العبيد بقيادة (سبارتكوس) ضد الإمبراطورية الرومانية سنة 71 قبل الميلاد واستمرت سنتين، بيد أن الرومان قضوا عليها بالخداع والحراب وقاموا بسلخ وقتل الآلاف من العبيد الثائرين، وتعليقهم بالطرقات. وفي العراق ثار الزنج بثورتهم المشهورة وانطلقوا من البصرة. وامتدت ثورتهم لمدن عديدة وكانت حركتهم مركزا مهما لتجمع العبيد الفارين من أسيادهم، الأمر الذي عجل بسقوطهم والقضاء عليهم. وعلى الرغم من مساحة الحراك الفكري والمعرفي الكبير، الذي تداول قضية العبودية والاستعباد، إلا أن تلك القضية تدحرجت حتى نضجت ولعل الثورة الصناعية، كانت قد خففت العبء على أولئك المضطهدين. وظلت الدول في تباين في التعامل معها حتى ظهور عصبة الأمم 1919 ووريثتها  الأمم المتحدة، التي شرعت القوانين الصارمة  وأصبحت دساتير الدول تلبي حقوقهم.