محمد شريف أبو ميسم
حين تكون الحرب خيارا استراتيجيا لا بديل عنه، تكون دوافع الحصول على ما لدى الآخر من أسلحة وأدوات أمرا لا مرد له، وإن حيازة عناصر القوة والتفوق دون النظر للعقائد التي عادة ما تكون وراء صمود الشعوب وهزائم المستعمر، هو الخطأ بعينه.
بموجب ذلك، قدمت لنا الحرب في غزة والحرب على الجهة اللبنانية، نموذجين جدليين في هذا السياق بالرغم من هيمنة أصحاب المشروع التوسعي في الشرق الأوسط على أدوات الإعلام، وقدرتهم على مناقلة الرأي العام وتقديم الآخر، بوصفه سببا في الدمار الذي جلبته الحرب، متكئين على تعدد المشارب والميول في التشكيلات المجتمعية لشعوب المنطقة، وعلى تدجين العقل واطلاق سراح الغرائز نحو الاستهلاك واشباع الرغبات بعيدا عن القضايا المصيرية، فضلا عن تسفيه حقيقة معركة الوجود في ظل واقع تقوده مخرجات العولمة وترسم ملامحه أنصاف الحقائق على طاولة الجدل. ومنذ أن شرع القائمون على مشروع "إسرائيل الكبرى" في إيهام العقل العربي بصعوبة النصر على الاحتلال، وتكريس فكرة خطأ المقاومة في الوعي الجمعي العربي والقبول بالاستسلام بوصفه سلاما، ونمط الأصوات المعارضة لكل أشكال المقاومة يتعالى، حتى بات صوتا مميزا بحجج ومفردات متجددة ومدعومة، بفكرة ان دولة الاحتلال تملك ما لا يملكه الآخرون وأنها قادرة على ما لا يقدر عليه أحد، وأنها هي التي تحدد مسارات الحرب. ومثل كل معارك التاريخ، التي خاضها المناضلون دفاعا عن أوطانهم وايمانا بمبادئهم، كانت التضحيات جسيمة أمام عدو لا يعرف أخلاق الحرب ولا يرف له جفن وهو يمارس الابادة بأبشع صورها ضد المدنيين، فكان تدمير البيوت والمستشفيات والمدارس بعضا من رسائله لصناعة الجدل على طاولة الرأي الآخر، الذي يرى في الرضوخ للعدو حلا لتجنب جرائمه، حتى بان للبعض من هؤلاء ان العقائد أقوى من تفوق السلاح، وأنها قادرة على تحطيم صورة الجيش الذي لا يقهر، وان التضحيات أمر حتمي في خيارات المناضلين. ولأن بطولات الرجال ضوء يسلط على أشباههم، كانت هذه البطولات هي المفصل الأكثر اثارة في جدلية الحرب، اذ حاول البعض النيل منها، وتقديم جرائم الاحتلال بوصفها نصرا لجيشه، فيما يحاول أن يتجاهل انتصارات المقاومة التي أفشلت خطط العدو، وأثبتت عجز جيشه عن تحقيق أهدافه على الجبهة اللبنانية بعد تعرضه لخسائر فادحة، وعلى هذا وفي سياق دعم العقل الانهزامي الذي يستعين به الاحتلال في ترسيخ حتمية الهزيمة عند بعض الأفراد، فمن المتوقع أن تلجأ دولة الاحتلال لمزيد من التدمير في قطاع غزة قبل رضوخها لمقترح وقف اطلاق النار، مثلما كثفت من ضرباتها التدميرية على المناطق المدنية في الجنوب اللبناني، وهي تطلب دعم حلفائها لوقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية بهدف الحد من خسائر جيشها.