سالم مشكور
ما يجري في سوريا ليس شأناً داخلياً. من السذاجة الاعتقاد بذلك، هو مرحلة جديدة من مشروع تغيير معالم المنطقة ككل. بدأ قبل عقد ونصف مما سمّي بثورات الربيع العربي، وما أصاب الدول المشمولة به من حروب وخراب ودماء. الشعوب كانت تعاني من مصادرة حريات، ودكتاتورية، وسجون، فبشروهم بالخلاص من خلال ثورات شعبية، أدخلوا عليها إرهابيين من أنحاء العالم بشعارات دينية وطائفية، فحوّلوا "الربيع" الموعود إلى حريق التهم الأخضر واليابس وانتهى بالتقسيم والتشريد والقتل والدمار والجوع، ليتمدد الإرهاب بعدها إلى دول أخرى كالعراق، فوفروا له سبيل الدخول بحدود مفتوحة وطموحات طائفية. هو مشروع دولي إقليمي، محوره إضعاف المنطقة كلها كي ترتاح إسرائيل وتأمن من أي خطر، بعدما قرروا أن لا أمن لهذا الكيان إلّا بتفتيت أو إضعاف الدول الأقوى والأكبر في المنطقة، وهي العراق وسوريا ومصر. كادوا أن ينجحوا في مصر، لكن الأمور سارت باتجاه أكثر "نعومة" عبر الحصار والتدجين، وفي سوريا نجحوا في الإضعاف والتدمير والتشريد، وتحويل البلاد إلى كانتونات تحت هيمنة خارجية أميركية وتركية وطيران إسرائيلي يجوب الأجواء السورية بحرية ويقصف أين يشاء. في العراق أدخلوا داعش التي كانت نسخة محدّثة من القاعدة وتيار الإرهاب برعاية إدارة أوباما وهيلاري كلنتون، كما اعترف بذلك الرئيس الأميركي لاحقا دونالد ترامب. آنذاك شهدنا مسرحية التحالف الدولي لمحاربة داعش والذي كان في الحقيقة تحالفا دوليا لرعاية داعش وإدارة حركتها. طائرات التحالف كانت تجوب السماء، وهي ترصد أرتال داعش تتحرك على الطريق الدولي بين الموصل والرقة دون أن تزعجها. نعم تتحرك فقط عندما تتجاوز داعش ما مرسوم لها، كما حدث عندما تحركت نحو أربيل، فتصدت لها، وعندما سئل وزير الدفاع الأميركي في جلسة استماع في الكونغرس عن سبب التدخل لحماية أربيل وعدم فعل ذلك مع بغداد، التي كانت معرضة للسقوط، أجاب بأن "في أربيل مصالح لنا كان يجب حمايتها بينما كان في بغداد خلاف سياسي لم نتدخل كي لا نحسب طرفا فيه". كان أحد أهداف انتشار داعش هو قطع الطريق الرابط بين الحدود الإيرانية والحدود السورية. لم يتحقق ذلك بعدما انطلق الحشد واختصر عملية إخراج داعش من ثلاثين عاما كما توقعها أوباما في أحد خطاباته، إلى ثلاثة أعوام. إيران كانت صاحبة مصلحة في دحر داعش لسببين، الأول إفشال خطة قطع تواصلها مع سوريا ومنها إلى لبنان برّاً عبر العراق، والثاني إبعاد خطر المد الإرهابي عن حدودها، فكان دعمها للعراق كبيراً واتخذ أشكالاً عدة. الدعم اللوجستي الإيراني للمقاومة في لبنان وغزّة هو مصدر إزعاج لإسرائيل التي يشكل أمنها هدفاً لا تخفيه الإدارات الأميركية المتعاقبة. بعدما عجزت إسرائيل عن إنهاء حزب الله رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها الحزب. وبعد شهرين من الحرب اللامتناهية الوحشية ركنت إسرائيل إلى وقف الحرب، ليبدأ فصل جديد من العملية بعد يوم واحد فقط من توقف العمليات العسكرية في لبنان. تلاقت هنا مصلحة تل أبيب مع مصلحة أنقرة الراعية لمجموعات خليطة من السوريين من القاعدة والنصرة ومجموعات من الإيغور الصينيين والشيشان وآسيا الوسطى والمنضوية كلها تحت مسمى هيئة تحرير الشام. تركيا تريد تدعيم مشروعها لإقامة منطقة نفوذ تركي على حدودها، وهو المشروع ذاتها الذي تسعى إليه تجاه العراق ودول أخرى. أردوغان أراد لقاء الأسد للمصالحة، لكن الأخير رفض أن يتم ذلك قبل الانسحاب التركي كاملا من سوريا. سوريا أيضا رفضت تدويل الحدود مع لبنان، يما يعني إسرائيلياً، بقاء خط الإمداد إلى لبنان مفتوحاً. هنا التقت مصلحة إسرائيل وتركيا في دعم مشترك لهيئة تحرير الشام لشن عملياتها وتوسيع منطقة نفوذها. الهيئة محل ثقة لدى إسرائيل وسبق وقدمت لمكوناتها من النصرة وغيرها خدمات إسناد طبي وعسكري، فكانت العمليات الحالية في حلب وادلب، بما يؤمن لتركيا توسيع منطقة نفوذها، ولإسرائيل قطع الطريق الحدود العراقية واللبنانية. هل ستقتصر الحرب على سوريا؟. بالتأكيد لها، فالطريق عبر العراق لم يستطيعوا قطعه، ولو سيطروا على الجزء السوري من الخط الواصل بين إيران ولبنان فإن الجزء العراقي ما زال موجوداً، وهنا ستلتقي أيضا مصلحة تركيا وإسرائيل بذات الدوافع والغايات. الكلام الأميركي هو أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة رفع كل الموانع الإقليمية أمام إكمال عملية تطبيع عربي إقليمي مع إسرائيل. هذا يعني أن ما نشهده هو أحد مفردات هذا المشروع.
السؤال الان: هل أن أمن العراق يبدأ من حدوده فقط، في حين تقاتل باقي الدول في عمق الدول المجاورة لضمان أمنها؟