أ.د عامر حسن فياض
ترجع أصول ماهية الدولة الرخوة والمفاهيم المقاربة لها، مثل الدولة ناقصة السيادة والدولة الفاشلة ودولة فراغ القوة ودولة هشاشة السلطة إلى فترة ما بعد انتهاء العصر الاستعماري الاحتلالي القديم، لتصبح الأفضلية في الكيانات السياسية للاستقلال بلا ديمقراطية وصولا إلى أزمنة العولمة التي فضلت الديمقراطية على استكمال السيادة والاستقلال. يرى (جلال أمين) في كتابة (الدولة الرخوة في مصر) أن كتابات (ميردال) ترى أن كثيرا من دول العالم الثالث، تعاني من خضوع ما يسمى بالدولة الرخوة، وإن هذه الدول تكاد أن تكون سر البلاء الأعظم وسبباً أساسيا من أسباب الفقر والتخلف. وبعد أحداث 11ايلول من العام 2001م أصبحت هذه الدول منطلقا لتصدير مخاطر الإرهاب وتجارة المخدرات والأسلحة غير الشرعية واللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وخصوبة الاستهلاك وانتشار الفوضى وتسلط التفاهة. لقد ارتبط مفهوم الدولة الرخوة بالتغير في هيكلية النظام الدولي، فهي الدولة المعطلة قوانينها أو التي يتم تغير قوانينها، وفقا لمصلحة فئة معينة من المجتمع على حساب مصالح فئات المجتمع الأخرى، وهي الدولة التي يتم وضع قوانينها وتحديد مسارها وفق رغبات ومصالح الدول التابعة لها.
إن العلامات الفارقة للدولة الرخوة تتمثل في كيان دولتي يعاني من فراغ القوة والسلطة. وهذا الفراغ يحدث نتيجة فشل الحكومات وعدم قدرتها على الفصل بين المصالح الخاصة والعامة، واستغلال الموارد العامة للمصالح الشخصية ونقصها للأطر الدستورية والقانونية، من خلال تطبيقها للدستور والقوانين بشكل تعسفي وجهوي ضيق وإعفاء المسؤولين أنفسهم من تطبيق القانون، فضلا عن وجود عدد من المعوقات الإجرائية والقانونية أمام الاستثمارات الإنتاجية مما يؤدي إلى أنشطة هدفها الربح الريعي والمضاربات المتعارضة مع التنمية، والذاهبة نحو الهدر بالموارد العامة، وسوء إدارتها واستخدامها، كما أن وجود الفساد في قمة الهرم، هو الذي يؤسس ويعمق الفراغ وثقافته. إن علامتي فراغ القوة والسلطة تلك تختصر معنى الدولة الرخوة، التي تمثلت سياسيا باستخدام العنف والقمع بالداخل في ظل نظام بوليسي وظيفته الأساسية زرع الخوف في المجتمع وإشغال المواطن بتفاصيل حياته اليومية يقابل ذلك سيادة سيالة تعبر عن تبعية للآخر البراني. أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية فإن علامات الرخاوة تبدو واضحة في تراجع الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع مستوى البطالة وانتشار الفساد والجريمة وهجرة العقول للخارج وارتفاع التضخم وتصاعد منسوب الفقر، وتراجع مستوى القدرات العسكرية للدولة وفتح الأبواب للتدخل الاقتصادي غير الإنتاجي الأجنبي، ومثل هذه العلامات وتفرعاتها تنتج دولة رخوة غير قادرة على مواجهة تحديات المستقبل. إن الدولة إذا أرادت أن تكون دولة غير رخوة عليها أن تتخلص من رجس السياسة، لتكون دولة محايدة متصالحة مع دواخلها من البشر حيث يشعر المواطن فيها بقربها منه، ولا يتحقق هذا الأمر إلا بتطبيق قانون يشمل الجميع ويفرض على الجميع ولا يفرق بينهم. وعندما تكون الدولة محايدة ومتصالحة مع دواخلها ستكون دولة مواطن، ينتظر منها كيفية تحسين وضعه للخروج من التخلف والانطلاق إلى الحداثية، عندها يتوقف فيها تقليب مواجع الماضي والعيش والتعايش معه، وكفانا الخلود إلى الكسل، فالعالم يسير ويتطور ولا ينتظر من يعيش في الماضي.
باختصار شديد نقول من يسعى إلى مغادرة رخاوة دولته، ويتجنب السقوط في كيانية ما قبل الدولة، عليه التفكير مع العمل جديا للتخلص من مؤشرات الرخاوة المتمثلة بالعوز التشريعي في القوانين الدستورية التأسيسية البنائية للدولة ومن العجز الخدمي، ومن العوق المؤسساتي، ومن العزوف عن الأوليات، ومن العشق للماضي لحساب كراهية المستقبل، ومن العبث بالمال العام والأمن العام ومن العطب المعرفي ومن العدمية الوطنية.