الأزمة السوريَّة والموقفُ المسؤول

آراء 2024/12/08
...

 علي موسى الكناني


على حين غرة، اهتز الشرق الأوسط على وقع طبول حرب جديدة، تحمل في طياتها دوافع وأهدافا تختلف عن الحروب التقليدية، وتضع المنطقة على حافة الانفجار. فمع تحول الأراضي السورية إلى ساحة مفتوحة للصراع، تتشابك القوى الدولية والإقليمية بشكل غير مسبوق، وتتزايد معها المخاوف من عواقب قد تكون أكثر خطورة مما نتوقع.

الأزمة السورية، التي شهدت تدخلات عسكرية وسياسية من مختلف الأطراف، لم تقتصر على تهديد أمن سوريا فحسب، بل أصبحت تؤثر في دول الجوار، بما في ذلك العراق، الذي يواجه تحديات أمنية كبيرة نتيجة لتداعيات الصراع. ومع استمرار الحرب دون أفق حقيقي للحل، تظل المنطقة مهددة بتفاقم الأزمات الإنسانية وارتفاع مستوى العنف. في قراءة واقعية للأحداث، لا يمكن النظر إلى الأزمة السورية بمعزل عن التدخلات الأجنبية، إذ تبقى الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، إضافة الى الكيان الصهيوني، أطرافاً أساسية في تأجيج الصراع. فمصلحتها تلتقي في تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية، من خلال دعم أطراف مختلفة في النزاع. وفي حين تقدم الولايات المتحدة وتركيا، ومن خلفهما الكيان الصهيوني، أنفسها كداعم لقوى المعارضة السورية، نجد أن روسيا تحشد دعمها للنظام السوري. هذه التدخلات، التي تتباين أهدافها ومراميها – لا يسع الخوض فيها-، أسهمت بشكل كبير في تعميق الفوضى. وسط هذه الفوضى الإقليمية والدولية، برز موقف العراق الذي يعكس تفكيرا عقلانيا ومسؤولا تجاه مستقبل البلاد. فالعراق، الذي عانى من ويلات الحروب والصراعات الداخلية في السنوات والعقود الماضية، يجد نفسه اليوم في قلب موجة عاتية غير محمودة العواقب. ومع تغيير موازين القوى في المنطقة، يُظهر العراق حرصا كبيرا على حماية أرضه وشعبه، من خلال تبني مواقف متوازنة تركز على تجنب الانجرار وراء صراعات الآخرين.

تم تجسيد هذا الموقف في الاجتماع الثلاثي، الذي عُقد مؤخرا في بغداد بين وزراء خارجية العراق وسوريا وإيران، وهو بمثابة رسالة بليغة ترفض التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة وتدعو إلى حلول إقليمية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار. هذا الموقف يعكس سياسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي سعى إلى تحصين العراق من تبعات الأزمة السورية. موقف العراق لم يكن محصورا فقط في الحكومة، بل امتد إلى القوى السياسية الفاعلة في البلاد. اذ كان للسيد مقتدى الصدر دور بارز في التأكيد على أهمية الحفاظ على استقرار العراق، وعدم السماح للتدخلات الأجنبية بالهيمنة على الوضع الداخلي، وأوكل القرار للشعب بتجنيب العراق الانزلاق في صراعات إقليمية قد تكون لها تداعيات كارثية على استقراره. كما كان لهيئة الحشد الشعبي دور حيوي في تعزيز الأمن الوطني، خاصة في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، بحيث باتت اليوم تلعب دورا محوريا في حماية الحدود من أية تهديدات محتملة.

المحصلة النهائية لهذا الموقف هو تأكيد العراق على موقفه الوطني القوي، الذي يسعى إلى تجنب الانزلاق في صراعات إقليمية قد تضر بأمنه واستقراره. فبدلاً من الاستجابة لتدخلات القوى الكبرى، يبني العراق استراتيجيته على العقلانية والمسؤولية، ويسعى إلى تحقيق حلول إقليمية تضمن استقرار المنطقة، ليمثل بذلك أنموذجا للموقف المتوازن الذي يسعى لحماية مصالحه الوطنية بعيدا عن أي تدخلات خارجية قد تعقد الوضع أكثر.