نقد السرد في العراق.. مرحلة التأسيس

ثقافة 2019/06/29
...

د. نجم عبدالله كاظم
( 1 )
    معروف أنّ الكتابات في نقد السرد في العراق، حين سجلت تجاوزاً ملحوظاً في السنوات التالية لنقد مرحلة المحاولات، نعني من نهاية الأربعينيات إلى نهاية الخمسينيات، بشّرت ومهّدت لنضج النقد أكثر مما قدمته. ولكننا حين نقول بشّرت ومهّدت فإنّ هذا يعني أن النقد فيها قد اتّجه نحو التأسس الحقيقي الذي ننتظره ولا بدّ أن يأتي. ولعلّ أهمّ ما اتّسم به ذلك (النقد) المبشّر اشتماله على شيء من التنظير في الكتابة عن فن القصة وهو تنظير عكس فهماً ملحوظاً لعدد ليس بالقليل من كتّابها ومنهم عبد الملك نوري وجبرا إبراهيم جبرا والأَخوَان نهاد التكرلي وفؤاد التكرلي. وكانت من سماته المهيمنة: المتابعة والتناول التطبيقي للنتاج القصصي العراقي. 
وقد نضيف إلى سماته أيضاً ظهور ظاهرة الجدل والنقاش ما بين النقاد حول قضايا معينة وأعمال قصصية معينة. 
وإذا كانت خصائص أو سمات نقد تلك المرحلة تمنحها أهميتها التي أشرنا إليها، وهي على أية حال، وكما سمّيناها، مرحلة تبشير وتمهيد، فإنّ ما يعزّز هذه الأهمية ظهور ما يمكن أن نسميّها الإنجازات التأليفية الكبيرة والمهمّة الأولى، كون بعضها قد ظهر في تلك المرحلة لتشكّل المؤشرات الأولى للتأسيس المنتظر، بينما ظهرت الغالبية في المرحلة التالية وبها وبكتابات أخرى تنشأ مرحلة التأسيس فعلاً وتمتد من بداية الستينيات إلى بداية السبعينيات وربما منتصفها، فبها صار هناك نقد سرد عراقي حقيقي. تلك الإنجازات التأليفية الكبيرة هي كتب: “القصص في الأدب العراقي الحديث”-  1956 - لرائد نقد السرد الأكاديمي في العراق- كونه في الأصل رسالة ماجستير- عبد القادر حسن أمين، و”في القصة العراقية”- 1961- لباسم عبد الحميد حمودي، و”في القصص العراقي المعاصر”- 1967- و”محمود أحمد السيد رائد القصة الحديثة في العراق”- 1969 - وكلاهما للدكتور علي جواد الطاهر، و”نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 - 1939 ”- 1969 - لعبد الإله أحمد. وإذا كانت هذه المجموعة المهمة من المؤلفات النقدية المهمة، التي سمّيناها الكبيرة. 
قد وضعت فعلاً حجر الأساس لنقد السرد في العراق، فإن هناك كتابات أخرى كان لها أدوار في تعزيز هذا التأسيس، ظهر بعضها متواكباً مع هذه الأعمال والبعض الآخر بعدها مباشرة، منها: “دماء خضر وخواطر أخرى في الأقصوصة العراقية” لفؤاد التكرلي، في مجلة (الأديب العراقي) في تموز وآب 1961، و”الشخص الثاني مجموعة لعدنان رؤوف” للدكتور علي جواد الطاهر، في مجلة (الأديب العراقي)، في تموز وآب 1961. “القصة القصيرة في العراق بعد الحرب العالمية الثانية، رسالة ماجستير”- 1964، لعمر الطالب، و”مشكلة الجنس في القصة العراقية” في مجلة (الكلمة)، في مارس 1967، و”اتجاهات الأقصوصة العراقية” في مجلة (المثقف العربي)، في مارس 1967، وكلاهما لشجاع مسلم العاني، و”واقع الرواية العراقية الجديدة” لعبد الجبار عباس، في مجلة (الكلمة)، في آذار 1969، و”حول أزمة القصة العراقية” لفاضل ثامر، في مجلة (الكلمة)، في ت2 1969، و”النقد القصصي في العراق دراسة في نشأته وتطوره” لعبد الإله أحمد، في مجلة (الجامعة المستنصرية) في
 1970. 
و”الرواية العراقية حكاية النشوء والتطور والتخلف” لشجاع العاني، في مجلة (الإقلام)، في آذار ونيسان 1970، وكتاب “مرايا على الطريق”- 1970 - لعبد الجبار عباس، وكتابا “الرواية العربية في العراق”- 1971 - و”الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية”- 1971 - لعمر الطالب، وكتاب “قصص عراقية معاصرة، مختارات وتقديم”- 1971 - لفاضل ثامر وياسين النصير. وقد نضيف إلى ذلك العديد من المقالات والدراسات الأخرى بأقلام الدكتور علي جواد الطاهر ونجيب المانع وعبد الجبار عباس وغيرهم. 
وهناك أعمال أخرى إذا لم يكن لها من أهمية في التأسيس، فإن لها اسهاماتها في زيادة الحركة النقدية، ومنها: كتابا “محمود أحمد السيد-1961- لمحمود العبطة، و”القصة العراقية قديماً وحديثاً”- 1962- لجعفر الخليلي، والعشرات من المقالات والدراسات الأخرى.
 
( 2 )
    وهكذا يمكن لنا أن نقول إن مؤسسي نقد السرد العراقي، المتحقق في المدة الممتدة من بداية الستينيات إلى بداية التسعينيات، مع إسهام بعض كتابات ما قبل ذلك، هم بشكل رئيس: عبد القادر حسن أمين، والدكتور علي جواد الطاهر، وباسم عبد الحميد حمودي، وعبد الإله أحمد، وإلى حد ما الدكتور عمر الطالب، وشجاع مسلم العاني، وفاضل ثامر، وياسين النصير، وعبد الجبار عباس. لكن هذا التأسيس لم يكن ليتأكد بدون استمرارية وتعزيز، وهما اللذان تحققا ببعض مؤلفات وكتابات أخرى للمؤسسين أنفسهم ومؤلفات وكتابات لآخرين، وأهمها: “الوجه الآخر للمرآة”- 1973- لباسم عبد الحميد حمودي، و”معالم جديدة في أدبنا المعاصر”- 1975- لفاضل ثامر، و”الموقف الثوري في الرواية العربية المعاصرة”- 1975- لمحسن جاسم الموسوي، و”القاص والواقع”- 1975- لياسين النصير، وأخيراً “الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية”
- 1977.
 والواقع لم يعد من شك، ابتداءً من بداية السبعينيات، وبشكل أكثر وضوحاً وإثراءً من منتصف السبعينيات، أن نقد السرد في العراق قد صار منظوراً، ولم يبتعد عن حركة النقد العربي عموماً ونقد السرد العربي خصوصاً، وبشكل ما عن بعض حركات النقد في العالم. وكل ذلك على أيدي بعض رواده أنفسهم، مثل الدكتور علي جواد الطاهر، والدكتور عبد الإله أحمد وفاضل ثامر، وياسين النصير والدكتور شجاع مسلم العاني، وباسم عبد الحميد حمودي، وإلى حد ما جبرا إبراهيم جبرا، وعمر الطالب، وأيدي العشرات من آخرين ظهروا خلال السبعينيات والثمانينيات، ولعل أهمهم: الدكتور محسن الموسوي، وسليمان البكري، والدكتور نجم عبدالله كاظم، والدكتور صالح هويدي، والدكتور صبري مسلم، والدكتور عبدالله إبراهيم، وإلى حد ما سعاد محمد خضر، وسليم عبد القادر السامرائي، وحمزة مصطفى، ورزاق إبراهيم حسن، ومحمد الجزائري، ومؤيد الطلال، وربما
 غيرهم.
    بقي أننا حين قلنا بريادة بعض هؤلاء النقاد وأهمية آخرين منهم، فإننا اعتمدنا معايير أهمها: السبق التأريخي، والكمية والنوعية (كتباً ودراسات أخرى)، والتأثير بالمجايلين والتالين. وإذا كان هذا اجتهاداً، فنزعم أننا سعينا إلى أن يكون اجتهاداً موضوعياً ندعو به الدارسين، لاسيما الأكاديميين، إلى دراسة هذا النقد.