مجاشع التميمي
لم تكن تطورات الأوضاع في سوريا مفاجئة للعراق أو للمجتمع الدولي، لكن ما يجري في حلب وحماة، يحمل في طياته تهديدا أكبر، حيث تنذر هذه الأحداث بعودة شلالات الدم السوري إلى التدفق، مما يعمّق من مأساة هذا البلد.. الأوضاع في سوريا اليوم باتت أكثر تعقيدا، وقد تكون بداية لمسار سياسي جديد في المنطقة قد يتجاوز الحدود السورية. إن ما شهدته المنطقة من أحداث "طوفان الأقصى" وما تلاها، كان بمثابة مؤشر على ما هو قادم، وقد وضع العالم أمام تحديات جديدة
بالنسبة للعراق، فإن المصلحة العليا تتطلب متابعة التطورات عن كثب، إذ إن المواطن ما زال يحمل في ذاكرته أصداء الهجمات الإرهابية التي تعرض لها البلد في عام 2014، حينما اجتاحت عصابات داعش الإرهابية الحدود العراقية، وقبل ذلك كانت الحدود، ممراً لعبور آلاف الإرهابيين بمفخخاتهم وأفكارهم المتطرفة إلى العراق.
إلا أن السؤال الأبرز في هذا السياق هو: ما الذي يميز الأوضاع في سوريا اليوم عن السنوات الماضية؟
في السنوات التي سبقت احتلال داعش، لم تكن القوات العراقية، العسكرية والأمنية، بنفس مستوى الجهوزية التي تتمتع به اليوم. فقد تم استحداث قوة عسكرية وأمنية أثبتت حضورها بقوة خلال عمليات تحرير العراق من العصابات الإرهابية، وهي قوات الحشد الشعبي. بالإضافة إلى ذلك، تطورت علاقات العراق الإقليمية والدولية بشكل ملحوظ، بدءًا من علاقته بالتحالف الدولي الذي تأسس بقرار دولي، والذي ألزم الدول الأعضاء بمساعدة العراق في حال تعرضه لأي تهديد من خارج الحدود. كما تطورت العلاقة العراقية- الأمريكية بشكل كبير، ووصلت إلى مستوى الشراكة الدائمة، على عكس ما كان عليه الوضع في عام 2014 من توتر وقطيعة. على مستوى التحضيرات الأمنية، تم تعزيز الإجراءات على الحدود العراقية السورية، حيث تم تجهيزها بكاميرات حرارية ذكية تعمل على مدار الساعة لرصد أي تحركات. وبذلك، أصبحت الحدود العراقية السورية هي الأفضل أمنيا، وأصبح اختراقها أمرا صعبا. كما تمكنت القوات العراقية من ضبط الحدود بشكل مثالي، ما ساهم في القضاء على التسلل والتهريب، وهو ما لم يكن موجودا في تاريخ الحدود العراقية. في هذا السياق، أكد رئيس مجلس الوزراء على أن العراق يمتلك إمكانات عسكرية متطورة، بالإضافة إلى كونه جزءا من التحالف الدولي لمناهضة الإرهاب. أما على المستوى السياسي، فقد توافقت القوى السياسية في العراق على دعم الحكومة في إجراءاتها لمنع انزلاق العراق إلى الصراع السوري. هذا التوافق لم يقتصر على القوى المشاركة في العملية السياسية فحسب، بل شمل أيضا السيد مقتدى الصدر الذي شدد على ضرورة عدم التدخل في الشأن السوري، ودعا الحكومة إلى معاقبة كل من يخلّ بالأمن، وعدم الوقوف ضد قرارات الشعب العراقي، الذي يظل هو المعني الوحيد بتقرير مصيره. كما شدد على ضرورة عدم التدخل العسكري في سوريا. أخيرا، يتعين على الحكومة العراقية استثمار هذه الظروف لتؤدي دورها على المستوى الإقليمي والدولي، من خلال السعي لإيجاد حلول للأزمة السورية وكذلك قضية فلسطين، التي ستظل القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية.