د. صادق كاظم
يظل العراق معنيا بكل حال من الأحوال، بما يحدث في سوريا حاليا عندما عصفت الاحداث بهذا البلد وأعادت اليه كرة النار والحرب من جديد بعد هدوء استمر اربعة اعوام. من الواضح أن العراق قد درس جيدا ما حصل في العام 2014 عندما كان الأداء الأمني في المحافظات الغربية المتاخمة لسوريا هزيلا، وكانت عصابات داعش الإرهابية تستمد قوتها من سيطرة المناطق المتاخمة للعراق كخط إمداد رئيس لها، حيث كانت هذه العصابات تتحرك بحرية ما بين البلدين، فيما ظلت القوات الامنية تستنزف بشريا وميدانيا من دون أي إجراء فاعل، اذ كان الأمر يتطلب هجوما كاسحا لإغلاق الحدود ومحاصرة "داعش" داخليا ومن ثم الإجهاز عليها.
لم يستوعب قادة البلاد وقتها ما كان يحصل في سوريا، ولم يجدوا البدائل لإيقاف التمدد والانتشار، في ظل عدم كفاءة الموكولين بملف الأمن وعدم قدرتهم على معالجة الموقف، حتى حصلت أحداث العام 2014 وما تلاها من متغيرات انتهت بدحر الارهاب واستعادة الموقف بشكل نهائي. الموقف الآن وبعد عشرة اعوام قد تغير تماما من حيث الجهوزية ووجود القوات الأمنية المقتدرة والحشد الشعبي الباسل لمسك الحدود ومنع أي خرق قد يحصل، فضلا عن تحصين الحدود وعزل شراذم داعش في مناطق نائية ومعزولة تتم مطاردتها بلا هوادة والقضاء عليها. من المؤكد أن العراق يراقب ما يحدث الآن في سوريا من متغيرات بعد الدعم الذي تلقته الجماعات المسلحة المصنفة دوليا على أنها إرهابية، فهي لم تخف يوما نواياها وخطابها الطائفي العدواني والمريض والمتخلف، وأن أطرافا دولية لها مصلحة كبيرة في استثمار الموقف المعقد، الذي يمر به حلفاء سوريا نتيجة للحرب الشاقة والطويلة، التي جرت أحداثها على أرض لبنان من جهة وتبادل الضربات، الذي حصل بين طهران وتل أبيب من أجل الضغط على الحكومة السورية لتغيير تحالفاتها ومواقفها، أضف إلى ذلك انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، كلها أمور التقطها اللاعبون الدوليون على الأرض السورية، وارادوا بعثرة أوراق الحكم السوري وحلفائه على الأرض، فكان اطلاق الهجوم السريع والمباغت وردة الفعل الضعيفة والانسحاب المفاجئ لقوات الجيش السوري المدافعة عن خطوط التماس وتراجعها، وتخليها عن مدن ومناطق جرى تحريرها في الماضي بكلف باهظة. إن حسم المعركة أصبح يعتمد على الموقف في مدينة حماة، التي يرغب أفراد القاعدة السيطرة عليها للتمدد نحو الساحل والشرق، وهذا يعني وصول الموقف الميداني إلى مرحلة صعبة قد تهدد العراق نفسه بالخطر، مما يعني امكانية وصول القاعدة
إلى الحدود العراقية.
من الواضح أن مفاتيح الأزمة السورية أصبحت بيد أنقرة وواشنطن، فالأولى هي التي رعت وضمنت اتفاق استانة، الذي رسم خطوط الهدنة ومنعت وقتها قوات الجيش السوري من اقتحام المنطقة العازلة القريبة من الحدود التركية، وهي التي سمحت لهذه الفصائل المحسوبة عليها بشن الهجوم لتنسف هذا الاتفاق نهائيا، وواشنطن التي تريد تصفية نفوذ موسكو في الشرق الاوسط عبر اسقاط نظام الحكم في سوريا، رغم نفيها
تقديمها اي دعم للمسلحين.
العراق الذي يرغب في تطويق تداعيات الأزمة سيحاول الاتصال بالأتراك لإيجاد حل سريع للأزمة وإنقاذ الموقف قدر الإمكان، فالمحافظة على سلامة الأراضي السورية ووحدتها ومعالجة أسباب الخلاف يبقى الحل الذي يتمناه الجميع وأن تتضافر جهود الدول العربية والإقليمية لدعم سوريا في محنتها هو الهدف الأهم لتجنيب المنطقة الفوضى والحروب والدمار.