الحكمة المنهوبة.. الإله {نابو} في اتحاد الأدباء

ثقافة 2019/06/29
...

بغداد/ ابتهال بليبل
الحدث الأكثر إثارة في مصير الآثار العراقيّة، هو افتتاح متحف “نابو” في لبنان عام 2018، ليضم نقوشاً ومقتنيات تمثل حضارات ما بين النهرين، وبلدان أخرى.. أما الأغرب من ذلك أن “نابو” هو اسم إله الكتابة والحكمة عند بلاد الرافدين.. من هنا عانقت فعالية (منبر الفكر) في اتحاد الأدباء (الحكمة المنهوبة/ الإله نابو.. أنموذجاً)، عبر جلسة حضرتها نخبة كبيرة من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالآثار. 
وبدأت الجلسة التي أدارها الأمين العام للاتحاد الناقد علي حسن فوّاز بحديثه عن أهميتها لحضور معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور عبد الأمير الحمداني، بوصفه متخصصاً بموضوعها الذي يتعلق بالآثار العراقية المنهوبة، إذ أن نهب الآخر هو نهب للأفكار والتاريخ وللسياق الذي تشكّلت به الحضارات الإنسانية. 
وركّز الفوّاز بشدّة على أهمية موضوعة الآثار المنهوبة، لأنّه بدأ يدخل ضمن الاهتمامات الدولية والمنظمات العالمية المعنية بهذا الشأن، فالآثار أو الرقائم، هي جزءٌ من هُويات الشعوب، والمحافظة عليها يدل على المحافظة لسياق نشوء هذه الحضارات. 
كما وقد تحدث الفوّاز عن الإله “نابو” ومرافقته لنشوء الحضارات العراقية، وتوقف، أيضا، على خصوصية متحف “نابو” الذي أنشئ بلبنان، وكيف أننا الآن بوضع سياسي واجتماعي وحقوقي يدفعنا للحديث، وكذلك على الجهات الرسمية وصناعة القرار في الدوائر العراقية تقع مسؤولية الاهتمام بهوية العراق، إذ أن واحدة من مرجعيات هذه الهُويات هو القيمة الثقافية للأثر.
  
سرقة الآثار
وتحدث معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور عبد الأمير الحمداني عن متحف “نابو” وما جرى للآثار العراقية في لبنان، وعن نهب الآثار العراقي، ودخول عصابات السرقة عام ١٩٩٤، وعن القرن التاسع عشر والعشرين والبعثات التبشيرية المرسلة للبحث عن الآثار.  
ويرى الحمداني من خلال حديثه أنّ علم الآثار هو العلم الذي خلقته المنظومة الاستعمارية، ولذلك كان هم المنقّبين هو الحصول على العدد الأكبر من الآثار، كما وتناول الفرق بين المنقبين وجامعي التحف، إذ أن الأخير لم يكونوا منقبين، بل من يرسلون الآثار إلى المتاحف العالمية، مثلا كانت هناك اتفاقية بين ألمانيا والدول العثمانية على تسلّم الآثار العراقية وفق العلاقة السياسية بين تركيا العثمانية وألمانيا، اذ أنشئت متاحف في إسطنبول وباريس ولندن. 
وكان لقانون الآثار عام 1925، الذي اعطى الحق للبعثات الأجنبية باستخراج الآثار، للحمداني إلى إصدار قانون 1934، وكذلك بعض القوانين المعدلة عام 1974، وعام 2002. 
وتناول معالي الوزير لمحات عن سرقة الآثار وبداياتها المبكرة والتي اشتدت في منتصف التسعينيات (الحصار)، إذ بدأت عمليات النهب في مناطق السهل الرسوبي من بغداد إلى البصرة، مستغلة الجهد الهندسي للدولة -آنذاك- اذ قام بمشاريع من دون استشارة الجهات المعنية بالآثار، كما تحدث أيضا عن اليوسفيّة وتحطم (70) مدينة أثرية بالكامل من جراء هذه المشاريع، وكذلك التجريف الذي حصل في جنوب مدينة الكوت إلى سوق الشيوخ، إذ شاهدت الناس الدولة وهي تسيء للآثار، فصار وجود لوسطاء وتجار محليين لنقل الآثار إلى دول الجوار مثل سوريا ولبنان وتركيا بوصفها منصات مهمة لتهريب الآثار إلى دول أوروبا والمتاحف العالمية.  
كما وتحدث عن نابو بوصفه الناسخ العظيم وحامي الأرشيف، وتوقف الحمداني عند القوى المؤنّثة في الالف الرابع والثالث قبل الميلاد، وكيف أنّه بوصول حمورابي إلى الحكم قد حول القوى من مؤنثة إلى مذكرة، وكيف ظهرت الملوحة في السهل الرسوبي والحروب والصراعات ولن تتوقف. 
 
شخصية شعبيّة
أما رئيس الاتحاد الباحث ناجح المعموري فتحدث خلال الجلسة عن “نابو” بكونه جزءا من المشاريع الثقافية بوقت مبكر، واحدا من أخطر الالهة بالشرق، إذ كان متحولاً ومتحركاً خاضعاً للصيرورة التي تنتج بسبب القدرات الذاتية والظروف الموضوعية، كما وقد لعب دوراً مهماً لأنه تكفل بعملية تحدي “العالم الأسفل”.   
ويعتقد المعموري أن “نابو” شخصية شعبية، وهذا هو من أهم الملامح التي ميزت العقل، وما ينتج من كتابة ونسخ في العراق القديم.
كما وتحدث عن إشكالية قراءة الرموز ووجود تمثالين يتم استعراضهما بشارع الموكب يتصدى “نابو” لقتلهما، وواحداً من هذه التمثالين هو للآلهة العقرب، بينما الآخر غير محدد، وأن سبب توجه “نابو” لقتل العقرب ربما غير واضح، وهل لأنّ العقرب هو أحد المتسربات من “العالم الأسفل”، وقضى عليها خشية من ملاحقة “الاله مردوخ” بعد التحرير.  
وتحدث الأكاديمي بجامعة واسط كلية التربية الدكتور طالب الشمري، عن الأصل التاريخي للإله نابو وتسميته ومعاني أسمائه ورموزه. 
و”نابو” من خلال تتبع الدكتور للنصوص المسماريّة كان له أول إشارة قد كتبت باللغة السومرية، ولو تتبعنا ما كتب من النصوص الدينية لهذا الاله حتى القرن الثاني الميلادي نلاحظ انه بنفس التسمية التي ذكر بها، وكذلك في قوائم أسماء الالهة التي تمت عبادتها في العراق القديم.
وكان الاله “نابو” من عائلة إلهيّة، وهناك أشهر رمز له هو القلم أو علامة مسماريّة، كما تحدث عن زوجاته الاثنين، وأنه لم يكن له ذرية، وعن تأثير الحضارة العراقية وامتداداتها، وكذلك عن علاقته بالآلهة الأخرى.