محمد شريف أبو ميسم
ما عاد لمفاهيم عدم الاعتداء وعدم التدخل في شؤون الدول المستقلة ودول الجوار من أثر واقعي، سوى ذر الرماد في الخطابات الدبلوماسية، ازاء هذا الكم الهائل من الانتهاكات التي تتعرض لها الدول والشعوب، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط بدوافع شتى تتقدمها الرغبة في تحقيق خطوات الهيمنة والتوسع في سياقات مشروع الشرق الأوسط الكبير على حساب الآخر الذي لا يمتلك أدوات العلم والتفوق العسكري.
اذ يسعى المحتكرون لاقتصاد المعرفة وعلوم النانو وتكنولوجيا المعلومات والتقانات الاحيائية والأسلحة الحديثة للهيمنة والوصاية على الآخر، بأساليب تتخطى أساليب الاستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة، اعتمادا على أدوات العولمة الاقتصادية والثقافية والأمنية، مرورا بتدجين الأجيال الجديدة وانتهاك خصوصية الثقافات وانتهاء بإزالة حدود الدولة التقليدية واستبدال سلطة الدولة بسلطة رساميل العولمة.
وكل ذلك في إطار التسابق على منطقة هي الأهم للسيطرة على الجهات الأربعة من العالم، وعلى حركة التجارة العالمية، وعلى أسواق الطاقة والخامات، وقطع الطريق على القوى الأخرى، التي تريد الشراكة في الهيمنة على هذه المنطقة أو التمدد فيها.
وهذه الخلاصة تعطينا فكرة عن حالة عدم الاستقرار، واستمرار توالد الأزمات والحروب والصراعات المناطقية في بلدان الشرق الأوسط، وتوظيف صراع الجماعات والإثنيات والطوائف بالوكالة عن القوى الدولية المتصارعة، إذ يسعى أصحاب مشروع الشرق أوسط الكبير (الذي ينطبق ويتماهى في الملامح والمصالح مع المشروع الصهيوني القائم على شعار "من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة الصهيونية الكبرى") يسعون لخلق منطقة تقودها وتحكمها رساميل شركات العولمة، حيث تزال فيها حدود الدولة التقليدية، وتكون الحكومات عبارة عن مجموعة من الموظفين الذي يقومون بتنفيذ أوامر هذه الشركات في ادارة شؤون الدويلات، بوصفها دكاكين تابعة لثالوث العولمة (البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية).
فيما تسعى دول أخرى مثل الصين وروسيا للبحث عن موطئ قدم في هذا المشروع على أقل تقدير، بعد أن واجه مشروع "الحزام والطريق" الذي تقدمت به الصين للتوغل في ادارة هذه المنطقة الكثير من العقبات، وما زال مشروع "مجموعة بريكس" يعاني من بعض المعوقات للالتفاف على هيمنة الدولار في التبادلات والتداولات الدولية وفي أسواق الطاقة، فيما تسعى شعوب المنطقة الرافضة للاحتلال والهيمنة على مقدراتها وثقافاتها ومستقبل بلدانها لمواجهة هذه المشاريع، وكلما تصدت بأدواتها المتاحة، استطاع أصحاب الارادات الدولية أن يصنعوا أزمة جديدة لهذه القوى المناهضة للتواجد الأجنبي، اعتماد على طاقة الأجيال الجديدة الغارقة بالاستهلاك واشباع الرغبات، فضلا عن عدم قدرة العقل الجمعي على فهم معطيات التحولات والأحداث المتسارعة الناجمة عن توظيف النزاعات الطائفية والاثنية والمناطقية وتفوق وسائل الإعلام، التي يقودها أصحاب المشروع في مناقلة الرأي العالم، لتكون أساليب الحرب بالوكالة والحرب الاعلامية هي الأداة الأكثر تأثيرا في صنع الحدث وتوظيف المعطيات التي تستخدم مع الوقت في صناعة شرق أوسط كبير تديره الشركات التي تحكم العالم.