حسب الله يحيى
يعز على المرء أن تسلب كرامته وتهان إرادته وتغتصب أرضه وتنهب أمواله.. فكيف الحال والواقع العربي يقع في هذه المأزق مجتمعة؛ من دون أن ينتفض ويقاضي ظالميه والمهيمنين على وجوده؟.
هذا الواقع المر الذي نعيشه في بلدان الوطن العربي؛ صار مصدرا أساسيا لأطماع أعدائنا، بحيث وجدوا أن الوقت مناسب جدا، لكي يملأ الأرض فسادا وسلاحا .. ومن ثم موتا وخرابا وتدميرا، حتى يظل المواطن العربي طوال عمره، يدفع من قوت يومه وما يسد رمقه، لكي يبني ويعمر ويعيد الحياة إلى بلاده بعد أن دمرته الحروب وقطفت أرواح شبابه ويتمت أطفاله وسبت نساءه ونكلت بشيوخه..
نعم.. دخلنا في حروب شتى، ومن تبقى منا سالما ظل منكسرا، متحسرا على الخسائر البشرية القريبة والبعيدة منه والتي فقدها، والأشجار التي أنبتها والإعمار الذي شيده تحت طائلة الضغوط العديدة، التي ظلت تشكل وطأتها على وجوده.
ولكن للأسف، باتت الحروب تلد حروبا، وأصبحت تتناسل كما لو أنها كائنات خبيثة تعمل في أرواحنا وتسلبها حقها في الحياة.. فيما نجد أن البلدان المتقدمة علينا في كل تقنياتها ورفاهية شعوبها تتقدم علينا كل يوم، بل وتبتكر لنا أسلحة جديدة نستوردها من تلك البلدان، حتى نقاتل بعضنا البعض الآخر.
ومن ثم تتفرج علينا وتسخر من أحوالنا.. وتمن علينا بأسلحة طورتها من أجلنا حتى نقاتل بها كل من يختلف معنا أو يطمع فينا بدافع وتحفيز وبإرادة خارجية.
وعلى مر السنوات المتلاحقة لم نقف لنتأمل أحوالنا وحروبنا، ولماذا يسر تلك البلدان الاستعمارية أن نبقى في خصومة مع بعضنا، ليمن علينا هذا المستعمر مرة أخرى ليس بالسلاح وحده، والذي نقتر في معيشتنا من أجل شرائه؛ وانما لكي تبقى حملا وديعا، يريد أن يصلح ويصالح ما بيننا ويكسر ذاك الجفاء في علاقاتنا، ومن ثم يعود لكي يحلب أبقار ثرواتنا .. فالنتيجة في الحالتين نحن الخاسرين وهو الرابح الوحيد.
حرب دامية ندفع فيها دماء أبنائنا وسلاح استعماري نقاتل فيه بعضنا. حتى اذا شعبنا قتالا واستنفدنا ما تبقى من أسلحة؛ لجأ المستعمر لكي يقدم لنا وجبة سلام على مائدة الغدر من جهة والمفاوضات التي تخرج من هنا ومن هناك من جهة ثانية، فيما نكون نحن جميعا من الجرحى فيما العدو الأجنبي يستلقي مرتاحا، ذلك أنه قد أمن على وساطته السلمية ـ بوصفه صديقا ـ لكي يأخذ باليمين سلما، فيما كان قد اخذه باليسار سلاحا.
نحن جميعا.. نحن ومن نختلف معهم في داخل أوطاننا وبلداننا لا نلتفت إلى معرفة حقيقة ما يجري من حولنا ولا نتائج ما يجري.
فلماذا لا نصحو وننتبه على مصالحنا الوطنية، ونلتم على سلامة بلداننا من دون حروب ومن دون دماء تقطر وتسقي أراضينا ونتجه إلى الحلول السلمية، التي تضمن حقوق ومصالح كل واحد منا؟.
هذا ممكن جدا، وليس مستحيلا اذا ما أدركنا أن كل الحروب، التي نخوضها ليس لأحد مصلحة فيها سوى المستعمر، الذي يريد لنا الانشغال بالحروب بدلا من أن ننشغل ببناء حياتنا وبلداننا؟.
الانتباه هنا ضروري واللجوء إلى منطق إنسانية الانسان ضروري، ذلك أننا نحتاج إلى حياة سلمية وإلى موقف آمن نلجأ إليه، ونذود عنه من دون أن يكون للمستعمر موقع يتمكن من خلاله إشعال النيران بيننا.
نحن معنيون بممارسة دورنا الإنساني ووجودنا الأسمى بعيدا عن طبول الحروب، وبعيدا عن وقودها التي تشتعل هنا وهناك، وذلك عندما نؤمن إيمانا مطلقا بأن كل الأمور يمكن أن تحل بالسلام لا بالسلاح.
ترى متى نفكر أن نحول السيوف إلى محاريث ومناجل نستخدمها للمزروع من أراضينا الخضراء؟