زلزال سوريا .. مكانيّة تاريخ ودلالة حدث

آراء 2024/12/11
...

حسين الذكر

في التاريخ الموغل بالقدم السياسي حتى اليوم لم تتغير كثيرا سبل ترابط الأحداث في ما اصطلح عليه بالهلال الخصيب.. فحينما كان تحت السيطرة العثمانية – على سبيل المثال - خلال قرون خلت سبقت الحرب الكونية الأولى لم يشذ عن قاعدة التاريخ الأسبق، ولا نريد الخوض بأبعد من هذه النقطة التي تسمى بالتاريخ الحديث .
ما بعد العثمانيين مع تباشير الثورة العربية الكبرى، التي تبين أنها مجرد وسيلة لتنفيذ اتفاق سايكس – بيكو، التي تمت بموجبه إعادة رسم الشرق الأوسط العربي للقرن العشرين .. ثم الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حرب باردة.. وحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة.. إلى اليوم.. برغم تبدل العناوين الحاكمة والمرجعيات الموجهة والمتحكمة للسياسات النافذة بهذه المنطقة، إلا أن التأثير لا يصيب جزءًا دون غيره بمختلف التوجهات، وليس الأمنية والعسكرية فحسب.. بل حتى الثقافية بأبعادها العولمية، التي لم تعد محصورة بالشعر والفن والصحافة .
حينما يحدث تغيير في لبنان تتأثر فيه سوريا، ثم العراق والعكس صحيح، وإن اختلفت نسب التأثير وزمكانيتها.. إلا أن التوجه العام للقوى العظمى في التعاطي مع هذه البقعة (الخصيبة) قائم جدا. فما يجري لا يعد إلا جزءًا من ترتيبات عامة تندرج أهمها تحت عناوين منها:
الأول: إنها خطط معدة وتنفذ بالاتفاق مع القوى العظمى والإقليمية، وفقا لميزان القوى والمصالح المشتركة، وبما تقتضيه المصالح الاستراتيجية .
الثانية: إن شعوب المنطقة تستقبل ما يرجي كما ينزل المطر بعضهم مع والآخر ضد ونسب حيادية تنسجم مع كل واقع علما إن ردات الفعل الشعبية مع الأحداث الكبرى تقاس مع المعايير المصلحية الضيقة وقصيرة الأمد .
ثالثا: إن القوى العظمى تخطط وتنفذ وفقا للعقلية الاستراتيجية، ولا تأخذ إذنا من الشعوب، لكنها تنسق مع قوى محلية لتبرير سياساتها وإعطائها شرعية ما.
من هنا وبناء على خلفية تاريخية وتجارب حياتية وعقلية سياسية، ينبغي على القوى العراقية بمختلف توجهاتها أن تعي الدرس السوري، وكذا اللبناني الأخير.. وأن تتعاطى مع الواقع وفقا للاستنباطات السياسة الحكيمة.. والتجرد قدر الإمكان من نرجسية المصالح الضيقة الكتلوية أو المذهبية أو القومية.. وغيرها .
لا مناص من (الوحدة السياسية المسؤولة)، التي تعي بأن العراق للعراقيين جميعا حقا وحكما وحرية تقيم على أرض الواقع، ولا تقاس في ما يطرح بالإعلام. وأن يعوا تماما بأن فتح أي ثغرة تبريرية طائفية أو قومية ستلحق الضرر بالجميع.. وأن يكون الوعي المجتمعي متصاعد الوتيرة منسجمًا مع تيار الحرص على المصالح الوطنية الكبرى.. اذا ما أردنا الإفادة من عقدين من زمن خلف لنا كما من التجارب ينبغي أن تتحول إلى عقلنة ما توظف لصالح الاستراتيجي الوطني قبل غيره.