عبد الأمير المجر
قرأ كثيرون القصف الإسرائيلي لمواقع الجيش السوري وتدمير أسلحته الاستراتيجية، بأنه يأتي في سياق تقويض قدرات سوريا العسكرية، ولقطع الطريق على أي تهديد محتمل لإسرائيل من الجانب السوري، على الرغم من تغيّر النظام، لأن اتفاقا للسلام بين سوريا واسرائيل لم يحصل حتى الآن.. وهذه القراءة صحيحة لكنها غير كافية لقراءة الهدف الابعد لهذا القصف، الذي طال القوات البرية والجوية والبحرية وجميع المرافق ذات الطابع اللوجستي المؤثر في عمل الجيش. نحن نرى أن الهدف من وراء هذا القصف غير المسبوق والذي لم يواجه برد فعل دولي أو أميركي مناسب، يأتي في سياق الرؤية الاميركية الغربية لمستقبل سوريا السياسي والعسكري وحتى الثقافي، الذي ينبغي أن تكون عليه هذه الدولة، التي ظلت لعقود طويلة قريبة من المعسكر الاشتراكي السابق ومن بعده قريبة من روسيا وعلى مختلف المستويات، وأن العقيدة العسكرية السورية، كانت على الدوام عقيدة روسية، وان هذا الواقع يجب ان ينتهي ويستبدل بعقيدة أخرى تتلاءم مع الوضع الجديد الذي ستصبح عليه سوريا، أو ما يرسم لها من مستقبل، وأن من الضروري هنا أن يكون الجيش السوري، الذي سيعاد تشكيله من جديد بعقيدة عسكرية جديدة تختلف تماما عن العقيدة السابقة وبسلاح مختلف تماما، وان وجود الاسلحة الروسية الاستراتيجية والكثيرة ستحول دون الحاجة لأسلحة أخرى ما يعني ابقاء العقيدة العسكرية على حالها وهو ما يجب ألا يستمر. لقد تنبهت بعض الدول إلى خطورة أن تعتمد دولة ما على جهة واحدة في تسليح جيشها، لأن مهما كانت العلاقات قوية بين البلد المستورد للسلاح والبلد المورد أو المصنّع له، فإن امكانية تعرض هذه العلاقة إلى التصدع أو القطيعة، أو حصول تغيير في نظام البلد المستورد، يبقى واردا في عالم السياسة، ما يعني أن الجيش في البلد المستورد سيكون معطلا اذا ما انقطعت عنه امدادات السلاح، لا سيما في ظروف الحرب أو الاضطرابات، وهذا حصل لأكثر من بلد وبات عبر لغيره. الشيء الذي يخشاه المراقبون بعد تدمير قدرات الجيش السوري، هو أن هذا قد يشجع الجماعات المتطرفة على التمرد على قرارات الدولة اذا ما تعارضت مع توجهاتها مستقبلا، اذ ستتحرك وهي ضامنة لعدم قدرة المؤسسة العسكرية على مواجهتها، الأمر الذي سيجعل مستقبل العملية السياسية في سوريا محفوفا بالمخاطر، ويبقى صانع القرار في دمشق مستجيرا بالقوات الاجنبية، وفي مقدمتها الاميركية لحماية امن البلاد، ما يعني ابقاء قرارها السياسي رهينة هذه الواقع الذي يراد له أن يكون كذلك ولو إلى حين!
جدير بالذكر ايضا، أن الجماعات المسلحة التي اسقطت النظام ليس جميعها على قلب واحد، وايضا لكل منها داعمه الخارجي الذي يسعى إلى مصالحه في سوريا، وأن تعارض مصالح هذه الجماعات بغياب الرادع الرسمي المتمثل بالجيش القوي، يجعل خطورة الموقف قائمة والى أجل غير معلوم، ويبقى البلد رهينة توافقات البلدان الداعمة وهو ما يخشاه السوريون ومن حولهم، لأن أمن دول المنطقة مترابطا وبات حساسا أكثر من اللازم، بعد التغيير المفاجئ في سوريا وتداعياته المفتوحة على احتمالات كثيرة، نأمل أن تكون محدودة، ويعود هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعا إلى وضعه الطبيعي ويسوده الأمن والاستقرار.