عادل الصويري
"لقد وقعنا في الفخ"، عبارةٌ كتبها شاعر سوري معارض بعد يومين فقط من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وزوال حقبة مريرة من الديكتاتورية والسجون والقتل والتشريد. العبارة التي كتبها المعارض السوري، جاءت بعد التداعيات السريعة التي اعقبت فرحة زوال النظام، وممارسات الفصائل المتشددة التي أمسكت بمفاصل الوضع السوري، بعد تطمينات من زعيمها (الجولاني) بعدم التعرض للحريات الشخصية، وعدم سؤال المواطنين عن خلفياتهم القومية والمذهبية. وقد ركزت وسائل الإعلام كثيراً على هذه الجزئية واعتبرتها فتحاً من فتوحات الديموقراطية المتشددة، والمتخففة على مستوى العلم "الإسلامي" من الأسود إلى الأبيض، بينما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تُفنّد تماماً كلام المتشدد (الكيوت).
أوّلُ يومين من سوريا بلا البعث ونظام الأسد كانا يومين للرقص والغناء والاحتفال، لكنَّ الذي جعل المثقفين المعارضين يرتابون من الوضع، هو تلك الأحادية الإسلاموية التي بدأت تفرضُ نفسها على الواقع، وأعلنت عن نفسها صراحةً بأول اجتماع للحكومة الانتقالية المكلّفة بإدارة شؤون البلاد، والتي تم تكليفُها أُحاديّاً من قبل الفصائل من دون الرجوع لبقية المكونات التي تمثل النسيج المتنوع للمجتمع السوري، فضلاً عن حضور العلم، الذي يمثل أيديولوجيا الفصائل في اجتماع يُفترض أنه يخص الدولة السورية. هذه الأشياء مع مشاهد مروعة لعمليات إعدام جماعي لأفراد من الجيش السوري، جعلت كثيرين في صدمة مما يحصل.
إنَّ المطالبات بالتغيير حتى وإن كانت حقيقية وعادلة؛ ليس لها أن تبقى أسيرة الخيالات الوردية، كونها ستتحول إلى انفعالات تُسهّل بشكل كبير
نفاذ الإرادات الإيديولوجية إلى قناعاتنا بشكل غير مباشر، أو بصورة مباشرة في بعض الأحيان يتم غض النظر عنها؛ لأنها تتعلق بقناعات مذهبية تجعل من الصعوبة، أو قل من الاستحالة رفضها، أو حتى مناقشة أسباب دخولها على الخط. وهذا هو الذي حصل فعلاً في التغيير الذي شهدته سوريا، إذ سرعان ما تحولت المطالبات الاحتجاجية إلى قناعات طائفية ومذهبية وإن جاءت من قبل بسطاء انفعاليين؛ إلاّ أنَّ لها ما يدعمها على مستوى أصحاب القرار الحاليين على أرض الواقع، قياساً بما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي.
لكنَّ الارتياب الثقافي تجاه هذه المعطيات انقسم على نفسه بين نمطين اثنين: نمط يرى أن اختزال الوضع بفصيل إسلامي متشدد، فضلاً عن كونه مصنّفاً دولياً على أنه فصيل إرهابي؛ سيعيد ترسيخ أحادية جديدة يفترض أنها انتهت بزوال نظام بشار الأسد. ونمط ثانٍ يحاول أن يتفاءل على حذر ليقول إنَّ إدارة الفصائل هي إدارة مؤقتة، ومن الطبيعي إزاء تغيير من هذا الحجم أن تحدث الأخطاء وهذه الانفلاتات؛ لعدم وضوح الرؤية، وينبغي عدم الخوض في هذه السلبيات.
النمط الثاني في الواقع نمط يحاول التنظير للخراب الذي يستشعره الجميع، والذي بات واقعياً مع مناوشات الاقتتال بين الفصائل المعارضة نفسها كما في حالة فصائل الأكراد قوات سوريا الديموقراطية المعروفة بـ (قسد) والمدعومة من أميركا، وفصائل الجولاني.
الارتياب الأكبر جاء مع الصمت الغريب سياسيّاً واجتماعياً تجاه التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وغاراته التي استهدفت كل القدرات العسكرية للدولة السورية، وهو ارتياب أعلنه مثقفون سوريون معارضون ما زالوا في المنفى ولا يريدون العودة حتى مع زوال الأسد؛ لضبابية المشهد، بينما الصمت المطبق يلف الحالة الثقافية في الداخل السوري؛ ربما لأنهم لا يريدون أن يتم اعتبارهم غير أصدقاء للتجربة الجديدة ممثلةً بالفصائل التي فرضت وجودها على الإدارة الانتقالية المؤقتة بشكل أحادي صريح وواضح.
وليس بعيداً السيناريو المصري، حين تنحى محمد حسني مبارك (العسكري) عن رئاسة مصر بعد موجة احتجاجية عارمة، ثم جاء (الإسلامي) محمد مرسي بعد انتخابات، ثم تم إسقاطه وأُعيد العسكر للحكم عبر السيسي. هذا السيناريو يخيف النخب السورية؛ لأنَّ لعبة القط والفأر بين العسر والمتشددين الأصوليين مستمرة على ما يبدو على خريطة الشرق الأوسط الملتهب.