سعاد البياتي
في المجتمع نجد العديد من النساء وقد وضعن شكاواهن على طاولة البحث الاجتماعي للنظر في قضاياهن وحكاياتهن المتكررة، فهناك مسافة شاسعة بينهن وبين أزواجهن تمنعهن من الاندماج النفسي، نظراً لانعدام لغة الحوار والتفاهم وافتقار المودة والرحمة، اللتين تعدان خاصيتين مهمتين لحياة زوجية هادئة ومتينة.
هذه القضية أخذت تتسع في الآونة الأخيرة لتمتلئ المحاكم بطلبات التفريق وتفضي إلى مصير سلبي، لا سيما تأثيرها المباشر في الأطفال على وجه الخصوص.
“أسرة ومجتمع “ تستعرض بعض القصص التي سنكتب رموزاً لأسماء من عشنها، بناء على طلبهن، وماذا خلفت من آثار سلبية على الصغار بالدرجة الأساس.
تفضي (ع .م) بخبايا ما تشعر به إلى أمها التي تقول إنها أقرب الناس إليها، فهي ومنذ ارتباطها بابن عمها لم تشعر معه بالراحة والأمان، إذ تصف حالة زوجها بأنها لا تتوافق مع تفكيرها، فقد غابت عنهما لغة الحوار في أبسط الأمور، ولم تعد تطيق البقاء معه ومن حسن حظها أنها لم ترزق بطفل على حد قولها، وتستطرد بالقول، لم أعد قادرة على أن أتحمل عصبيته واستهزاءه بكل سلوكياتي، فكل المشاعر توقفت عند هذا الحد هنا في المحكمة.
غياب الخصوصية
رغم سنوات الزواج الخمس إلا أن الضغوط والمشكلات والبعد العاطفي بيننا أجبرتني على العودة إلى بيت أهلي، هذا ما صرحت به ( ص . و )، وذلك لأن طفلي الاثنين بدآ يتأثران بالمشاجرات والضغوط التي تحدث أمامهما، فبمجرد حدوث عبء مادي أو مطلب لطفلي ينهار مسبباً مشكلة ويمنعني من التحدث إليه بهدوء، ما سبب لي حالة صحية لازمتني كداء مزمن، مع أنه متمكن مادياً ويمتلك شهادة جامعية، بيد أن كل هذا ليس له أي اعتبار لديه ولا يمتلك أيضاً مبادرة التفاهم معي، وأضافت قائلة: بدأ النفور من بعضنا يأخذ منحى سيئاً وغابت الخصوصية وانعدم الانسجام، لأن عصبيته وقسوته طغت على لغة الحوار، فضلاً عن تأثر الطفلين بكل ما يحدث بيننا، فقد بانت عليهما الكآبة وفقدان الشهية، وهذا ما يقلقني حقاً.
وعلى العكس من الحالتين أعلاه تحدثت (ف . ر) عن سعادتها المتناهية مع شريك حياتها، حينما تتوحد الرؤى والأمور التي تخص الأسرة سواء كانت شخصية أم عامة، وتثني على تفهم الزوج، وتبين أن لغة الحوار هي السبيل الوحيد للعيش بسلام ودون مشكلات، وهذا يتطلب زوجاً متفهماً وزوجة متفهمة ومثقفة، يريان أن الحياة الزوجية رباط مشترك في كل القضايا، ففي أغلب الأحيان يتبادلان الآراء حينما يصادفهما أمر ما على حد قولها.
رباط مقدس
أما (ش . ش) فتحدثت بألم قائلة: ارتبطت بعقد زواج منذ سنتين، وتمسكت بالحفاظ على هذا الرباط المقدس قبل الدخول في بيت الزوجية، وانجبت طفلي الأول وبدأت المشاحنات بيننا كلما أردت أن أقتني حاجة ما للبيت الجديد، أواجه بالرفض وعدم القدرة على التفاهم معه، إنه يفتقد إلى صفة الحوار والتفاهم، ما يجعلني أفكر بإنهاء العلاقة وغلق باب العصبية والمشاجرات التي تفضي بنا إلى حياة زوجية سيئة، أردت إضفاء أجواء هادئة تحافظ على حياتنا المقبلة إلا أن الموضوع أخذ يزداد سوءاً، ولم أعد قادرة على الصبر والتحمل.
تبعات اجتماعية
الباحث حسين علي كريم من الجامعة المستنصرية يبين “أن أحد أهم العوامل المؤدية إلى غياب لغة الحوار بين المتزوجين هي الضغوط المهنية وارتفاع المستوى المعيشي للفرد في العراق، فمع التقدم التكنولوجي السريع بدأت تظهر الكثير من المهارات والوظائف الجديدة، و ما على الأزواج إلا أن يبتعدوا عن التداعيات التي تثير بينهم المشكلات، ويلجؤوا إلى التفاهم وتطوير الذات، ومن المفروض على الأزواج أن يتماسكوا ويعتمدوا لغة الحوار بطريقة هادئة وجيدة تعيد الدفء للحياة الزوجية، وحل كل المشكلات لإبعاد الفتور العاطفي بينهما، للمحافظة على أسرة سعيدة، لأن أي انعدام للمشاعر والتفاهم سيؤثر في الأطفال بصورة سلبية، وغالبية الأسر العراقية تريد المحافظة على الحياة الزوجية والابتعاد عما يؤثر في مستقبل أولادها، لأن الانفصال له تبعات اجتماعية ومادية ونفسية قد تسبب تداعيات هم في غنى عنها، وينصح كريم الأزواج بالتفاهم الهادئ، وتغليب لغة الحوار والعمل على رسم مستقبلهم الأسري بما يليق بالعيش الكريم الآمن، كي يتجنبوا أي خلل أو هفوة، فالحياة تستمر حينما نتجاوز عن الأمور البسيطة ونتصرف بعقلانية وروية.