علي موسى الكناني
بعد أكثر من عقد على الحرب، والتي أودت في نهايتها بنظام بشار الأسد، تبدو عملية إعادة الاستقرار في سوريا، صعبة للغاية. الصعوبة تمكن في إعادة بنية النظام السوري، التي سيطرت عليها عائلة الأسد لأكثر من خمسة عقود، والتي اعتمدت على القوة والترهيب والملاحقة الأمنية كوسيلة للحفاظ على السلطة. ولعل إعادة بناء القوات المسلحة تقف في مقدمة التحديات التي تواجه سوريا، بعد أن تم تدمير العديد من المنشآت العسكرية خلال سنوات الحرب، وفيما بعد، أجهزت القوات الإسرائيلية على ما تبقى منها بعد سقوط نظام الأسد. هذا على المستوى اللوجستي، اما في جانب العقيدة العسكرية، نجد ان القوات المسلحة السورية تشظت طيلة السنوات الماضية، إلى مجموعات متفرقة تتبع مختلف القوى الإقليمية والدولية، مما يجعل من الصعب إعادة توحيد الجيش السوري أو بناء جيش محترف تحت قيادة مركزية واحدة. وفي الملف السياسي، وإمكانية تشكيل حكومة قادرة على إدارة سوريا في ظل الأوضاع الراهنة، خلق سقوط الأسد فراغا سياسيا، يصعب معالجته على المدى القريب، الأمر الذي يعقد عملية تشكيل حكومة انتقالية، فالقوى السياسية التي دعمت المعارضة السورية خلال النزاع قد تجد نفسها في مواجهة مع بعضها البعض لتحقيق مصالحها في تشكيل النظام السياسي المقبل، مع صعوبة إيجاد أرضية مشتركة بين هذه الأطراف. طوال عقود من الزمن، غابت التعددية السياسية في سوريا، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات الطائفية والعرقية، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من أجل بناء هوية وطنية جامعة، بعيدا عن التقسيمات الطائفية، ولا يمكن تحقيق ذلك دون دعم دولي فاعل يسهم في إعادة بناء المؤسسات السياسية والأمنية، من قبل الدول الكبرى والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، إذ إن جميع هذه الأطراف يتوجب عليها لعب دور محوري في توفير المساعدات اللازمة وتقديم المشورة السياسية، تجنبا للانزلاق نحو حرب أهلية جديدة أو إحياء الصراعات الإقليمية من جديد. العامل الخارجي يشكل هو الآخر تحديا في عملية إعادة بناء سوريا.. فالتدخلات الإقليمية والدولية، التي كانت تهدف إلى تعزيز مصالح معينة، أدت إلى تعميق الأزمة السورية وزيادة التعقيدات الأمنية والسياسية.. وما يضيف إلى تعقيد الوضع هو أن العديد من هذه القوى قد تستمر في الضغط على الحكومة المقبلة لضمان حماية مصالحها في سوريا، مما يتطلب تنسيقا دوليا مع الجهود الرامية، لإيجاد حل يضمن استقرار البلاد ويحترم سيادتها، فالتعافي من سنوات الحرب الطويلة لا يتطلب فقط إعادة بناء المؤسسات، بل يتطلب أيضاً تسوية سياسية تضمن للجميع حقوقهم في إطار دولة مدنية قائمة على التعددية والعدالة.