نرمين المفتي
نشرت مجلة (فورين بوليسي) في عددها الصادر في 8 كانون الاول الجاري لائحتها، التي اختارها محررو الكتب في المجلة ومراجعوها، لأفضل 100 كتاب صدر في سنة 2024 عن السياسة الدولية والاقتصاد والتاريخ والتي سبق ان نشرت المجلة عنها. كانت المجلة قد نشرت مراجعة للكتاب بقلم ليزا أندرسون في 22 تشرين الاول 2024، اشارت فيها الى ان "الكتاب يروي قصة حياة مهندس الري جاسم الأسدي، الذي عاش في منطقة الاهوار في جنوب العراق، وسكانها الذين يقطنون فيها"، واضافت بأن الاسدي عمل طوال حياته مناصرا للحياة في الأهوار وناشطا لحمايتها وإنقاذها واستعادة سبل العيش فيها، واشارت إلى قيام النظام السابق بعملية تجفيف الأهوار في التسعينيات والتي دمرت الحياة فيها. وانهت أندرسون مراجعتها قائلة "وعلى الرغم من كل هذه الاضطرابات، فإن حب سكان الأهوار لوطنهم الرائع لم يتضاءل. إن الكتاب، الذي ينسج الشعر والعلوم البيئية والتحليل السياسي والتاريخ القديم والأساطير وعلم المياه، هو في الوقت نفسه حكاية مفيدة وآسرة عن منطقة مهددة مرة أخرى بالفشل البشري، والآن في شكل تغير المناخ". في مقال سابق لي عن الأهوار التي تهدده الجفاف نشرته في هذا الحيز نفسه، قلت إن دولا عديدة قامت ببناء قرى وجدت مواصفاتها في الشواخص الأثرية وأسكنتها بممثلين لمحاكاة الحياة قبل آلاف السنوات لتجذب السياح، بينما الاهوار العراقية وسكانها في مواقعهم منذ آلاف السنوات ايضا، تاريخ حي والمفروض ان تكون واحدا من اهم المواقع السياحية في العالم، ولكن، التغير المناخي وانخفاض مستوى المياه في الأنهر العراقية التي تغذي الأهوار والاهمال، عوامل تهدد الاهوار جديا. بعد نيسان 2003، قاد الأسدي حملة جادة لإعادة إغراق الأهوار واستعادة النظام البيئي فيها، وهو ما تناوله الكتاب بتفصيل، مسلطًا الضوء على الجهود المحلية والدولية المبذولة في هذا السياق. أُدرجت الأهوار العراقية في سنة 2016 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، اعترافًا بأهميتها البيئية والثقافية. ومع ذلك، تواجه هذه المنطقة تحديات كبيرة في الوقت الراهن، أبرزها، كما أسلفنا، الجفاف المستمر وتغير المناخ. تشير التقارير إلى أن الأهوار شهدت تقلصًا ملحوظًا في مساحتها، حيث انخفضت من 20,000 كيلومتر مربع في أوائل التسعينيات إلى حوالي 4,000 كيلومتر مربع في السنوات الأخيرة. يعود ذلك إلى انخفاض مستويات المياه نتيجة السدود المقامة على نهري دجلة والفرات في دول المنبع، إضافة إلى التغيرات المناخية التي أدت إلى تقليل هطول الأمطار وزيادة درجات الحرارة، ليؤثر هذا الجفاف في التنوع البيولوجي في الأهوار، حيث تراجعت أعداد الأسماك والطيور المحلية والمهاجرة، كما تأثرت سبل عيش السكان المحليين الذين يعتمدون على الموارد الطبيعية في المنطقة. أدى ذلك إلى نزوح العديد منهم بحثًا عن مصادر رزق بديلة. ويُعد كتاب "أشباح أهوار العراق" مرجعًا مهمًا لفهم التاريخ المعقد لهذه المنطقة والتحديات البيئية والإنسانية التي تواجهها. من خلال السرد الشيق والتحليل الدقيق، قدم المؤلفون رؤية شاملة للتأثيرات المتبادلة بين الإنسان والبيئة في الأهوار العراقية. واتساءل ان كان علينا ان ننتهز فرصة اختيار كتاب (اشباح انوار العراق) ضمن افضل 100 كتاب، لنذكر ان أهوارنا تشكل كنزا بيئيًا وثقافيًا لا مثيل له في العالم، وعلينا أن نتصدى للتهديدات التي تواجهها وأن نسعى لحملات محلية ودولية لإنقاذها ولا أنسى الاشارة إلى أن الصفة الغربية للأهوار العراقية هي (جنة عدن).. ويبدو أن الصديق جاسم الاسدي الذي وُلد في مشحوف سيستمر بمحاولاته لإنقاذها ونأمل معه النجاح لإنقاذ هذا التاريخ الحي.