سعد العبيدي
شهدت سوريا بعد سقوط نظام الأسد ظهورًا واضحًا لمعامل تصنيع مادة الكبتاغون المخدرة إحداها في ريف دمشق، تنتج مليارات الحبوب السامة، لتُضخ في الأسواق اللبنانية والعراقية، وباقي أنحاء المنطقة العربية، تجارة مربحة قالت عنها مصادر عدة إنها تدار من قبل شخصيات قريبة من رأس النظام. إنها ظاهرة تثير تساؤلات حول دور الدولة السورية في عمليات الإنتاج والتصدير، وهي الدولة التي توصف بنظام أمني صارم تمتد أذرع مخابراته إلى كل تفاصيل الحياة، حتى قال عنها الفنان السوري المشهور دريد لحام مستهزئا في مقابلة تلفزيونية إن أعدادها في بلده سوريا تفوق عدد المدارس. وبصددها وإذا افترضنا علم الدولة بما يحدث، وهو الافتراض الأكثر منطقية، فإن ذلك يكشف تناقضًا صارخًا بين الشعارات الوحدوية التي يرفعها النظام وبين أفعاله. فبدلاً من تعزيز وحدة وسلامة الشعوب العربية كما يدّعي، تصرف بطريقة تفضي الى تدمير العنصر البشري، الذي يُفترض أنه عمود الوحدة الأساسي.
ليس بعيدًا عن هذا السياق، كان هناك مثال مشابه في العراق خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث غضت أجهزة مخابرات النظام آنذاك النظر عن عمليات تهريب الكحول والمخدرات إلى السعودية. تلك السياسات، التي كانت تبررها الدولة لنفسها بأهداف سياسية، لم تكن سوى أدوات لتدمير الإنسان العربي في الدول المجاورة، مما يعكس تناقضًا مع شعارات القومية والوحدة التي كانت تتغنى بها طول الوقت.
إن ما يجمع بين الحالتين هو التشابه في السلوك السياسي لدولتين عربيتين يحكمهما حزب قومي عروبي يدعو إلى تحقيق الوحدة. لكن الواقع كشف أن تلك الوحدة التي سعت الدولتان الى تحقيقها من المحيط الى الخليج ليست سوى وهم في عقول قادتها، وكشف أن الغاية الحقيقية هي الحفاظ على السلطة وتحقيق المصالح الحزبية والشخصية على حساب الشعوب وشعارات الوحدة. وكشف أيضًا أن الشعارات المطروحة وأساليب الادارة حدث ليس مجرد نفاق سياسي، بل استراتيجية خطيرة تُعري زيفها شعارات قومية وتظهر التناقضات الجوهرية بين ما يُعلن وما يُمارس، مما يجعل من الوحدة العربية التي يروجون لها فكرة توأد على يد دعاتها.