الدكتور قاسم المحترم
أعرّفك بنفسي أولاً، أنا موظفة بمؤسسة حكوميَّة أبلغ من العمر 29 سنة، خريجة جامعيَّة وأحب قراءة الروايات والكتب الثقافيَّة. مشكلتي أنَّني أشعر كما لو كنت وحيدة برغم أنني أعيش بين أفراد أسرتي وزميلاتي وزملائي في العمل. ليس هذا فقط، بل أشعر بفراغٍ وأرى نفسي كما لو كنت ضائعة.
شغلت نفسي بقراءة الروايات، وكانت آخرها (عبث الأقدار) التاريخيَّة لنجيب محفوظ، ومع ذلك بقيت مشكلتي تلازمني، شغلت نفسي بممارسة الرياضة ولم تنفع. إحساسي بالوحدة والفراغ القاتل ظلَّ يلاحقني فأوصلني الى الشعور بالاكتئاب والحزن، فشغلت نفسي بالانترنت وأخذت أكتب لهذه وتلك، وفجأة دخل علينا أحدهم وخصَّني من دونهنَّ بالتحية والكلام الحلو.
كان مثلي يحب قراءة الروايات، لكنَّه أوسع مني ثقافة. وأخذ يتحدث إليَّ عن الروائي همنغواي وكيف انتحر، وعن جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، فوجدت نفسي أتحدث إليه بصراحة وعفويَّة وأفرغ ما يختلجني من شعور الوحدة والفراغ.
بقينا شهوراً على هذه الحال، وفي أحد الأيام طلب منّي أنْ نلتقي، كنتُ أشعر بداخلي أنَّ هذا الشاب مثقفٌ وعلى درجة عالية من الأدب والأخلاق ومع ذلك اعتذرت له، فطلب مني أنْ أعطيه رقم هاتفي، وبعد تردّدٍ وأكثر من تبريرٍ بينها خوفي أنْ يتعلق أحدنا بالآخر، تبادلنا الأرقام وصرنا نتحدث لساعاتٍ في اليوم عبر الهاتف. ومن أدبه ورزانته صرت أحترمه أكثر، وهناك صوتٌ بداخلي يقول لي إنَّه يُحبّك وهو الذي سيخلصك من شعورك بالوحدة ويملأ عليك حياتك فلا تشعري بعدها بالفراغ القاتل.
أنا الآن أريد أنْ أعرفَ، هل أنَّه يحبني فعلاً أم أنَّه مثل صديق صديقتي الذي أقسمَ بأنَّه سيتزوجها وتركها بعد أنْ التقى بها؟. ولنفترض أنَّه يحبني، فهل أستطيع أنْ أحافظَ عليه وأتخلصَ من شعوري بالخوف من فقدانه؟.
أعرف أنَّها قد تكون أوهاماً أو شكوكاً غير واقعيَّة، ولكنْ من يضمن أنَّه سيكون صادقاً ووفياً؟ ومن ذا الذي يخلصني من أهلي والناس إنْ قال لي في نهاية اللقاء: مع السلامة؟.
ابنتكم زينب - كربلاء
الآنسة زينب، من جميل ما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي أنَّها أتاحت الفرصة لأنْ تكسبَ أصدقاءً طيبين تستطيع أنْ تشكو لهم همومك وتبوح بأسرارك وتنفّس عن مكبوتاتك فتشعر بارتياح، لا سيما إذا كنت تميل الى العزلة وتشعر كما لو كنت وحيداً.
وحصلَ ويحصلُ كثيراً أنْ تتطور هذه الحالة، من شكوى الهموم والاستلطاف الى التعلق العاطفي فالوقوع في الحب. ويشير واقع الحال الى أنَّ الفتاة تهدفُ من ذلك الى الزواج، بينما الشباب يتباينون في مقاصدهم. فمنهم من يتخذ منها وسيلة للصيد، واضعاً في تصوره أنَّ الفتاة من هذا النوع (التي تبحث عن علاقة عبر الانترنت) سهلة الوقوع في شبكته إذا ما أغراها بحلو الكلام ووعدها بتحقيق أحلامها. وهناك شبابٌ آخرون يكونون صادقين فعلاً، وقد حصلت زيجاتٌ عبر الانترنت كانت ناجحة.
ومشكلتكٍ عزيزتي زينب، أنَّكِ تعيشين حالة صراعٍ بين ما يأمرك به عقلُك وأخلاقُك وتقاليدُك الاجتماعيَّة، وبين عواطفك التي تصور لك الموضوع بأنَّه ربما يكون فرصة ناجحة للزواج، لا سيما أنكِ مقبلة على الثلاثين.
والذي يحيرك الآن ويؤرقك هو هذا السؤال: هل ألتقي به أم أغلق الموضوع وأريح وأستريح؟. وبالصريح يا زنوبة إنَّني إذا أشرت عليكِ بغلق الموضوع فإنَّكِ لن تفعلي. وعليه أقترح عليكِ أنْ تلتقي به على أنْ تعملي بالآتي:
* ضعي احتمالاً أنَّ هذا اللقاء قد لا يحقق أحلامك، لأنَّه لو حصل عكس ما كنت تتمنينه فستحصل لك صدمة نفسيَّة قد تدفعين ثمنها غالياً من آلامٍ نفسيَّة وشعورٍ بالذنب وتأنيب الضمير، ما يعني أنَّ عليك أنْ تضعي نسبة للفشل أكثر من نسبة النجاح. فإنْ حصل توافقٌ بينكما عن قناعة حقيقيَّة فهذا ما نتمناه، وإنْ لم يحصل فاعتبري الأمر عادياً وطمني نفسك بأنكِ موعودة بنصيبٍ أفضل..
مع خالص تمنياتنا بالموفقيَّة.
بالمناسبة، اقرأي في هذه الحلقة مقالة سايكولوجيَّة تشرح لكِ أسبابَ الحالة التي تعانين منها بعنوان "العزلة والوحدة".