أغبطه على مثابرته وانهماكه الجاد في اثراء المشهد الثقافي عبر مشاركاته الفاعلة وانجازاته المتحققة. ولا اظن ان احداً سبقه في ما انجزه مؤخراً من خلال اصداره ما يماثل ((الانطولوجيا)) باختياره من بين نحو مئتين وخمسين نصاً شعرياً (وردته)، مئة نص ترجمها الى اللغة الاسبانية التي درسها اكاديمياً في الجامعة، وعززها باللغة الانكليزية فيما بعد في الجامعة ايضاً. ورغم نشاطه الترجمي فانه اصدر اكثر من ثلاثة وعشرين كتاباً بين مؤلف ومترجم، ليس آخرها كتابه المهم ((اساطير ناجح المعموري)) الذي حظي باهتمام القراءة النقدية، ومازال يواصل مشروعه بإضاءة المشهد من خلال الكشف والتعريف بمبدعي بابل وتقديمهم عبر نشاطات مؤسسته الناهضة وامسياتها الاسبوعية التي حققت حضوراً لافتاً وحراكاً يشار اليه. ومن الانصاف في هذا الصدد الاشارة الى ما انجزه الروائي العراقي محسن الرملي المقيم في اسبانيا منذ تسعينيات القرن الماضي وتقديمه الشعر العراقي مُترجماً الى الاسبانية، ولكن ليس بالحجم والسعة التي أبهجنا بها الشاعر والمترجم حسين نهابة في الجزء الاول من اصداره الذي نحن بصدده الان، محاولين في هذه القراءة/الانطباع إزجاء التحية له وتثمين جهده الكبير امتناناً وإعجاباً....
إنّ ((الموسوعة المعاصرة لمئة شاعر وشاعرة عرب)) بجزئه الاول اضافة نوعية لمكتبتنا، ولا بدَّ قبل الخوض في المتن من اماطة اللثام عن معمارية الكتاب وخطة المترجم في تأليف وترجمة منجزه هذا، فقد اختار حسين نهابة نصوصاً شعرية قصيرة ترجمها الى اللغة الاسبانية وافرد لكل شاعر ثلاث صفحات، الاولى معلومات تعريفية بمُنتج النص، والثانية تضمنت النص الشعري باللغة العربية، وفي الصفحة الثالثة دوّن الترجمة الاسبانية، وبذلك فقد بلغ الكتاب نحو ثلثمئة صفحة وسيتبعه بأجزاء لاحقة ليغطي بها مساحة واسعة من الشعر العراقي والعربي. اذ لم يقتصر جهده على النماذج العراقية بل تعداها الى النماذج العربية وتلك حسنة تحسب لـ ((حسين نهابة)) في اتساع رؤيته. وسأختار أنموذجين شعريين تضمنها الكتاب الذي ترك الباب مفتوحاً للمشاركين بتقديم نصوصهم من غير الاشتراط عليهم بمضامين معينة، وهذه ايضاً حسنة مُضافة للمترجم إذ اتاح الحرية للمشاركين بما يرغبون فيه. وبمعاينة نصوص الكتاب وجدنا ان اغلبها ذات موضوعات انسانية/وجدانية لا تسمع صدى لقعقعة السلاح وصخب المعارك والحروب... وهذا بحد ذاته اعادة لمنطق الحياة والتمسك بقيم الجمال ونبذ القبح والكراهية. ولنقرأ هذا الأنموذج الذي اختاره حسين نهابة وترجمه الى الاسبانية في كتابه هذا، والذي حمل عنوان (جمر الانثى) ويقول فيه منتجه:
رجل
وثلاث نساء
في بيت مخمور
وعلى سطح البيت
اشتبكت صيحاتٌ
وعلت أنّاتٌ
وتلاطم موج دهور.
من يُطفئ جمر الانثى
ليبدد حزن الأرملة الظمأى
ويُلملم أشلاء الزمن الماخور؟
ليس سواه..
من يفضح اوجاع المنفى
قبل ضياع المعنى
ونفير الجسد المغدور؟
إنّه نصٌّ مكثّفٌ بذاته، مقتصد بلغته، جميل بصوره، قال فيه منتجه الشيء الكثير رغم ايجاز مفرداته. وهذا الانموذج وأمثاله ما حظي بترجمة حسين نهابة وتقديم خلجات النفس العراقية الى قرّاء الاسبانية ليتعرفوا على جوانب الحياة بصورها المتعددة...
وفي هذا النص الجميل للشاعرة المغربية ((فاطنة غزالي)) يؤكد حسين نهابة رهافة ذوقه ودقة اختياره لنصوص الجزء الاول من الموسوعة، تقول المغربية فاطنة:
يتعثرُ بي الخطو ..أسافر بين الكتب
أبحثُ في دفاتري القديمة
أفتشُ عن شهقة بين السطور
تعيدني على فيافي الحروف
ويمامتي القتيلة
تبعث زفرة تدثّر زمن العبور
الى شريان الابجدية
فأجدني مبعثرة الخواطر...
وانا هنا يصلبني الحبر
أدمن تفاصيل القصيدة
أنتشي برماد الحروف الشهيدة
وأشتم رائحة الحبر
وصوت ناي بداخلي يبعثرُ ذراتي.
لقد امتعنا حسين نهابة في جهده الكبير وقدّم لقرّائه مائدة شهيّة من النصوص في الجزء الاول من موسوعته التي نتمنّى ان يواصل اصدارها بذات الهمة
والجمال.