بخلاف الصحف اليومية والاسبوعية التي تنهض وفق منظور تجاري ربحي في الغالب، تعمل المجلات الثقافية على توجيه رسالة ثقافية معرفية معينة او تبشّر وتمهّد لتيار فكري جديد مستنبط من عدة تجارب سابقة وآنية. ومهما بلغت المجلة الثقافية في درجة تخصصها فهي لا تبتغِ ولا تهدف للتوجه إلى شريحة المثقفين فحسب بل الى كل طلاب المعرفة والعلم ومن يسلك دروب التنوير؛ لهذا بقيت المجلات الثقافية حاضرة في المشهد الثقافي وفي انين الذاكرة الثقافية الخاصة والعامة، لما لعبته هذه المجلات من دور مهم في تكوين الهوية الثقافية للمهتمين بها والقراء، ولما لبعضها من خطاب واضح يرنو صوب أهداف محددة سرعان ما تأخذ مدى أوسع.
وكي تأخذ المجلات الثقافية دورها بشكل صحيح وحقيقي لا بدَّ من أن تتنفّس هواء الحرية دون اي تضييق او محددات مسبقة للنشر الا تلك التي يكون فيها ضرر، وهذا حتما يشخّص من قبل رئاسة التحرير التي يفترض انها من اسماء ثقافية مرموقة معروفة ورصينة لديها خطابها الثقافي التنويري وتجربة ابداعية مثمرة مستنيرة، تتمتع بمقبولية بالطرح والتفكير، فضلا عن توفر بيئة العمل المناسبة بمعنى توفر مساحة حرية عمل هيئة التحرير ورئاستها دون اي شروط وقيود من الجهة التي تصدر تلك المجلة حكومية كانت ام نقابية منظماتية اي تتمتع هيئة التحرير بحرية قبول ورفض أي مادة لاتجدها مناسبة لخطاب ومهمة المجلة التي يفترض تثبيتها والاتفاق عليها بين هيئة التحرير ومجلس الادارة او الدائرة المعنية، وحتما هذا لقوة ومكانة هيئة التحرير وبوجه الخصوص رئيس التحرير ورجاحة عقل وعمل الجهة المصدرة لتلك المجلة.
اصدار مجلة ثقافية يعني أنّ ثمّة مشروعا ثقافيا، يعني أنّ ثمّة اهدافا ومبتغى، ومن ثمّ يجب وضع آلية وخطة عمل، وملاك مهني ثقافي- صحفي يتمتع بمقبولية في الوسط الثقافي، فضلا عن منجزه الابداعي، بذلك يكون مثل هكذا ملاك بمقدوره التعامل مع الجهة المصدرة والداعمة للمجلة الثقافية بقوة وندية وليس بذلية وتبعية، كذلك يكون التعامل مع المثقفين والادباء ممن يرغبون النشر في المجلة، بمعنى تكون الرغبة اكبر حين ينشر النص بعد مروره على هيئة تحرير مرموقة وبشكل خاص شخص رئيس التحرير الذي يعطي اهمية للنشر حين يكون مطلعا على كل ما ينشر في المجلة وبموافقته التي تكون مثار اعتزاز واحترام من الراغبين بالنشر.
لكن ثمة ما يفقد المجلة الثقافية اهميتها ومهمتها حين تخضع للمزاجية التحريرية او الادارية او كلاهما حين تكون هناك تبعية، اذ يفرض الفعل الثقافي ان يتمتع من يعمل بهكذا مجلات والقائمين عليها بروح ثقافية عالية تسمو فوق كل الاعتبارات والاراء النقدية التي توجه لهم، فمن يصل لهكذا مركز او منصب ثقافي يفترض ان الثقافة والابداع قد هذّبا سلوكه ورفعا من وعيه وقدّماه انموذجا يحتذى به، انموذج حريص على ادامة الصلة الثقافية العامة اذ ما تقاطعت الخاصة لاي سبب كان، أنموذج يقدم دلالة على علو شأن الثقافة كأداة تعايش وحوار، وليس العكس من كل ذلك، ما يعني أنّ مثل هؤلاء دخلاء على الثقافة والابداع، وان وصولهم لهذا المركز ضربة حظ او ابتكار طرق واساليب ملتوية للوصول والتصدر.