إنهاءُ الصداقةِ أم قطيعةُ المحبين؟

اسرة ومجتمع 2019/07/06
...

كارلي بريت
ترجمة: مي اسماعيل
لا يوجد شح في عدد الأغاني والأفلام السينمائية والاستعراضات التلفازية التي تتحدث عن صعوبة انفصال العشاق والمحبين؛ ولكن حين يتعلق الأمر بانتهاء الصداقة، يشعر المرء غالباً أنه يعاني بمفرده. تقول المعالجة السريرية “مريم كيرماير” (المختصة بصداقات الشباب واليافعين) :إن الإنسان يتعلم منذ الطفولة كيف يكتسب الأصدقاء ويتشارك معهم ويتعامل مع المتنمرين. لكن هذا النوع من الحوار الاجتماعي يتوقف أحيانا عند المراهقة؛ رغم أن دراسة أجريت سنة 2017 عن العلاقات الشخصية لاحظت أن الصداقات مسألة تزداد اهمية للإنسان مع تقدمه في العمر، وأن الصداقات قد تكون مؤشرا أقوى للسعادة من العلاقات الأسرية. 
فإذا كانت الصداقات حيوية لهذه الدرجة؛ فلماذا لا نتحدث عن كيفية مواجهة مواقف انتهائها؟ تقول “كيرماير”: “هناك توقع عام أن الصداقات أمر سهل التكوين والاحتفاظ بالنسبة للبالغين؛ وهذا ليس بالأمر الصحيح لكثير من الناس”. 
ترى كيرماير أن تقلب ساعات الصفاء والاختلاف ونهايات الصداقة قد تحمل من الصعوبة ما يوازي انتهاء العلاقة العاطفية بين شخصين؛ إن لم تكن أكثر صعوبة. وهناك أسباب عديدة تجعل انتهاء الصداقة أمرا صعب المواجهة والتعامل للكثيرين. 
• لا نعرف ما نقول
تقول كيرماير: “نميل الى الاعتقاد أن انتهاء الصداقة يحدث بسبب خيانة أحد الأطراف”؛ وفي تلك الحالات يسهل تحديد سبب انتهاء الصداقة وإرجاعه الى الطرف المذنب. ولكن هناك حالات تنقطع فيها الصداقة نتيجة لتباعد الأطراف (حسب مجريات الحياة)؛ وهنا لا يوجد حوار معين يمكن إجراؤه لتقييم الموقف.
قد تحتاج الصداقة أحيانا للانتهاء بسبب عوامل خارجة عن محيطها؛ كالتباعد المكاني وتغير نمط الحياة؛ أو تجاوز أحد الطرفين على روابط الصداقة بسوء معاملة الطرف المقابل. 
ومهما كان سبب فناء الصداقة؛ فإن الإحساس العام يقود لعدم معرفة وجوب إجراء حوار مع الصديق أم لا (كما تقول كيرماير). وإذا قررنا إجراء حوار؛ فإننا غالبا لا نعرف ما نقول! تمضي كيرماير قائلة: “هنا قد تظهر حالات تنتهي بالأذى؛ لسوء تعاملنا مع الموقف أو ببساطة لأنه موقف غير متوقع.. فأغلبنا لا يعرف كيف يبدو حال الصداقة المهشمة!”. 
أما في العلاقات العاطفية فهناك غالبا أنواع من الحوار التي تُنبئ بالقطيعة المقبلة؛ وهي (مهما كانت مؤلمة) تقود غالبا لموقف “ختامي” واضح. ولأننا لا نملك نوعا من النمط المسبق لحوارات انتهاء الصداقة؛ نشعر بالمزيد من الصعوبة والارتباك. 
• الشعور بالخجل لعجزنا عن إنجاح الصداقة
“يشعر الناس عادة بالارتباك لأنهم كان يجب أن يفهموا مقاييس الصداقة، مفترضين أن كل الآخرين فهموا تلك المقاييس. ويسود عادة شعور بأنهم قد أخطؤوا في نقطة ما على مسار الصداقة”. ولأن الحديث يجري عادة عن القطيعة العاطفية ومناقشتها غالبا؛ فإن الناس يشعرون (حين انتهاء الصداقة) بأنهم وحيدون في معاناتهم لإنجاح تلك الصداقة. وبدلا من البحث عن الإسناد والنصيحة من أصدقاء آخرين؛ يلجأ الناس غالبا لكتم الموقف في أنفسهم؛ وهذا قد يزيد من عزلتهم. 
هناك أيضا التوقع العام أن ليس كل علاقة رومانسية ستستمر إلى الأبد؛ لذا قد يكون علينا توقع نفس الشيء بالنسبة لبعض الصداقات (كي ننظر للأمر من زاوية تطبيع تلك التجربة). فنهاية صداقة ما لا تعني أن أحد أطرافها (أو كلاهما) شخص سيئ أو صديق سيئ؛ بل تعني ببساطة أنها لم تكن صداقة سلسة. 
• تباين التوقعات بين الأصدقاء
هناك فرق جوهري بين الصداقة والعلاقة العاطفية يمكن أن يزيد من صعوبة انتهاء الصداقة؛ كما تقول المعالجة النفسية “مارني فيورمان”: “توقعات الناس مختلفة في العلاقة العاطفية؛ إذ يعلن الطرفان أنهما “مرتبطان”، أو أن علاقتهما محددة بوضوح؛ فهما مخطوبان أو متزوجان. وقد تكون هناك وثيقة رسمية ومراسيم تعبر عن ماهية العلاقة”. لكن هذا لا ينطبق على الصداقة؛ إذ أن من الصعب هنا توضيح التوقعات من الطرف المقابل. وهنا قد يتحرك الأصدقاء على خطوط متباينة؛ وهذا بدوره يسهم في حدوث القطيعة، ويزيد من صعوبة التواصل بعد فترة من الافتراق. فالأصدقاء عادة لا ينقلون توقعاتهم الى الطرف المقابل؛ لأننا.. “لا نرغب في التعبير عن حاجتنا النفسية ولا احتمال رفضها من الطرف المقابل”. 
على الأغلب يبقى الصديق الذي لا يشعر بملاقاة صديقه لحاجاته النفسية صامتا، وقد يشعر لاحقا أن تلك الصداقة ليست حيوية، وبالتالي يميل الى السماح لها بالانتهاء بشكل طبيعي (كما ترى فيورمان).هذا النقص في التواصل يمكن أن يؤذي الصديق الآخر بنفس الدرجة؛ إذ يبقى يتساءل عن الخطأ الذي وقع. 
• لا نعرف شروط إنهاء الصداقة
في نهاية العلاقة العاطفية من المعتاد أن يتناقش الطرفان عن حدود إنفصالهما؛ وقد يقررا أن يبقيا صديقين أو يقطعا كل إتصال بينهما أو يتعاملا بود حينما يلتقيان في مناسبة اجتماعية. وهذا النوع من النقاش نادر الوقوع جدا حين انتهاء الصداقة. تقول فيورمان: “هناك الكثير من الارتباك والحيرة عن معنى انتهاء الصداقة؛ فهل ما زلنا راغبين في الاتصال ضمن سياق معين؟ وهل نحن مستعدون لرؤية بعضنا في مناسبة اجتماعية مع أصدقاء مشتركين؟”. 
عندما تبقى هذه الأسئلة من دون إجابة ستعقبها مقابلات تربك الطرفين (في أحسن الأحوال)، أو ألم غير ضروري تجاه صمت صديق لا يمكن تبريره. 
• مرحلة الحزن غير متوقعة 
يتوقع الناس فترات زمنية طويلة من معاناة القلب المكسور بعد انتهاء العلاقات العاطفية؛ لذا يستعدون أحيانا لمواجهة ألم الفراق الذي لا مفر منه. وبما أن انتهاء الصداقات أمر لا يجري الحديث عنه غالبا ومن الأحداث غير المتوقعة؛ لا يكون أغلبنا مستعدا لمرحلة القنوط التي تليها (حسب رأي فيورمان).. وتلك الصدمة غير المتوقعة يمكن أن تجعل الألم محسوسا أكثر فأكثر: “يمر الإنسان هنا بمرحلة من الحزن والتقوقع؛ وهذا ليس بالأمر السيئ. فإذا شعرت بعدم قدرتك على تغيير علاقة صداقة مؤذية؛ فلا بأس من الحزن عليها، ثم المضي قدما لإيجاد صداقات أكثر إرضاء للنفس”. 
بعد انتهاء الصداقة من المألوف الشعور بالغضب والحزن والوحدة، والقلق لعدم رؤية الصديق، والتخوف من انحياز الأصدقاء المشتركين الى جانب من دون آخر. وحين يتفهم المرء أن تلك المشاعر كلها طبيعية في هذا السياق؛ سيتمكن من المضي قدما.. كل ما نحتاجه هنا فترة استرخاء وتأمل، كما تقول كيرماير: “علينا هنا التأني في اختيار المفردات التي نتحدث بها الى أنفسنا، بدلا من القفز الى تعريفات جاهزة؛ مثل – اعتبار أنفسنا أصدقاء سيئين.. وتحدث عن نفسك كما يصفك أفضل أصدقائك”.   
 
مجلة {تايم} الأميركية