حسين الصدر
- 1 -
الهجاءُ مرُّ المذاق ..
وأصحاب المقامات العالية يخشونه، ويخشون انتشاره بين الناس، الأمر الذي يضعف هيبتهم، ويكسر شوكتهم، ولا يخشاه المحرومون البائسون ..
- 2 -
لقد أمر الوزير العباسي القاسم بن عبيد الله ت 291 هـ وزير المعتضد بدس السم الى ابن الرومي –علي بن العباس - الشاعر الشهير خشيةَ هجائِه
ولما أحسّ (ابن الرومي) بالسم قام، فقال له الوزير :
الى أين ؟
قال :
الى حيث وجهتَنِي ..!!
قال :
فسلّم لي على أبي
قال :
ليس مروري على النار ..!!
- 3 -
الهجاء هو السبب الكامن وراء العديد من المطاردات، لا بل الاغتيالات للشعراء، الذين أقذعوا في الناس هجاءهم لبعض السلاطين ووزرائهم .
إنّ المهجو إنْ كان ذا قدرةٍ على الانتقام، ولم يكن ذا حريجةٍ في الدين، من العدوان والفتك، لا يترك هجاءه يمرُّ دون عقاب صارم يصل الى حدّ الحرمان من الحياة ..!!
- 4 -
وعادةُ الشعراء انشاد الملوك والرؤساء والوزراء وعِليّةِ القوم الاشعار الطافحة بألوان المديح، بغية اصطياد عطاياهم وجوائزهم، وحين تخيب ظنونهم، ولا يحصلون على العطاء المتوقّع، يرسلون هجاءهم فيهم، وكثيرا ما يكون الهجاء غليظا قاسيا لا يُبقي لهم من باقية ..
- 5 -
قيل لنصيّب – الشاعر الشهير – “إنّ فلانا قد مدحه فَحَرَمكَ فاهْجُه، قال:
لا والله،
ما ينبغي أنْ أهجوه،
وانما ينبغي أنْ أهجو نفسي حين مدحتُهُ «
وهذا الجواب هو الذي حملنا على كتابة هذه المقالة .
فهجاء السلطويين دائرٌ على ألسن المواطنين، ولا ينقطع ..
والسؤال الآن :
من هو الذي جاء بهم الى السلطة ؟
أليس ذلك قد جاءَ نتيجةَ فوزِهِم بالانتخابات العامة ؟
اذن فإنّ مَنْ انتخبهم وانطلقت عليه حيلُهم وألاعِيبُهم عليه ان يهجو نفسه أيضاً، لأنّ للقضية طرفين، هو أحدهما يقينا،
فلماذا يصبُّ جامَ الغضب على غيره وينسى نفسه ؟
إنّه جنى على نفسه .
يقول الشبيبي :
إنّما نجني على أنْفِسِنا
حين نجني ثمّ ندعو من جنى ؟!
- 6 -
كيف لا يهجو نفسه مَنْ انتخب الفاسدَ المفْسِدَ مع علمه بفساده، ولكنه انتخبه لدافع طائفي أو عشائري أو مناطقي أو قومي ..
انتخبه لأنّه وعده بتعيين ابنه موظفا في دوائر الدولة ..!!
وانتخبهُ لأنّه سلّمه سندَ ملكيّة قطعة من الأرض ليس لها وجود في دوائر التسجيل العقاري ..!!
وانتخبهُ لأنّه قبض الثمن بورقة نقدية خضراء أو ببضع أوراق حمراء
- 7 -
أيضا
وكيف لا يهجو نفسه من قدّم مصلحته الشخصية على مصلحة البلاد والعباد؟
أليست المقايضة بين صوته الانتخابي وبين انتفاعه الشخصي خروجاً على كل الضوابط والقيم الوطنية والاخلاقية ؟
- 8 -
إنّ من يهجو نفسه لا بُدَّ أنْ يُحترم ويقدّر متى ما أَقْلَعَ عن تكرار قبائحِهِ، لأنّه وصل الى الحقيقة ولو بعد حين .
وهنا تكمن العظة ...