نعرف أنَّ بإمكان المجتمعات خلق ملاكات منتجة في العلوم والمهن وادارة المشاريع والقيادات المؤسساتية “عامة وخاصة”، لكن ليس بإمكانها خلق انسان “موهوب” ومبدع في تخصص معين لكونها هبة ربانيّة لا تمنح بالشهادة والدراسة والتعلّم، ومن هنا تقدم كل المجتمعات تسهيلات ورعاية واهتماما لهذه الشريحة لكونها “خاصة” لا يمكن استنساخها ولا اعادة انتاجها.
في جلسة مع أديب عراقي يحمل الان جنسية اوروبية حدثني عن بعض التفاصيل التي تقدمها له دولته الجديدة، لكونه “مبدعا” في مجال الرواية والقصة، فهو يجد الاهتمام اينما تواجد في الانشطة العامة وفي المؤسسات التي يراجعها لامور رسمية ويجد صورته واسمه وعناوين مؤلفاته في الاعلانات الضوئية لدائرة البلدية في منطقة سكناه، وحين يكون لديه نشاط خاص فإنّ الاعلانات تنشر في اغلب الاماكن العامة دون ان يكون له دور فيها، أما اذا احتاج لعلاج أو تعرّض لحالة مرضية فإن التأمين الصحي يتكفّل بالامر حاله حال كل المواطنين الاخرين ممن يجدون الرعاية التامة دون الحاجة الى (مناشدات وتضرعات وتدخلات وتنبيه واعلان واستخدام مواقع التواصل لعرض الحالة أو تدخل المعارف والاصدقاء لدى المسؤولين لتتم معالجة المريض على حساب الدولة أو ارساله للخارج ان تعذر الامر في الداخل) !! متى ينتهي هذا الامر ويشعر الاديب وغيره من المواطنين انهم كلهم ثروة بشرية لا يمكن للدولة ان تقوم بدونهم، وان اي واقع مرضي أو انساني سيئ يتعرّضون له هو مسؤولية الدولة ومؤسساتها الصحية والخدمية ولا حاجة (للتضرُّع) حتى تقدم الخدمات كما يجب.
الادباء يموتون بالتدريج وقد يكون حالهم حال اي مواطن اخر بعد ارتفاع نسبة الاصابات بالأمراض المستعصية في العراق لأسباب تتعلق بالأسلحة التي استخدمتها اميركا والحلفاء في حربهم ابان 2003 وايضا بسبب التلوث البيئي الذي لا يجد مؤسسة حقيقية تعالجه واي شارع في العراق يعطي الصورة واضحة لحجم الخراب الذي نعيش فيه.. وفي المقابل هناك واقع مستعصٍ اخر يتعلّق بواقع الادباء الذين يقال عنهم “أدركته حرفة الادب” فهي تخصص لا يوفر موردا ماليا جيدا ولا يؤمّن حياة معيشية حقيقية وما على الاديب إلّا الرضوخ للهند على نفقته الخاصة التي هي محدودة جدا أو يجلس بانتظار الموت المقبل بكل اريحية عراقية!!
سؤال للمسؤول: هل علينا الاستمرار بحملة المناشدات والوساطات واستخدام الطلبات ليتمكّن اديب من العلاج؟ وكم من المناشدات لم تؤتِ ثمارها؟ ومات حميد المطبعي ومحمد علي الخفاجي وآمال الزهاوي والفنان عبد المرسل الزيدي والتشكيلي علاء الدين الشبلي وغيرهم كثير والتعداد لن يتوقف.. وهل يمكن تعويضهم؟ هل نعيد انتاج ابداعهم؟ وهل يمكن لدولة تعرف قيمة مبدعيها ان تنتظر طلبات تقدم اعلاميا لينالوا علاجهم؟. وتناقلت الاخبار ان رئيس الجمهورية يوجه بادراج فقرة في الموازنة العامة لعام 2020 لدعم المبدعين وتوفير العناية الصحية للروّاد .. وهذا التوجيه ممكن ان تتم الموافقة عليه وممكن ان يرفض كون رئيس الجمهورية لا يملك صلاحيات حسب الدستور، وهذا يعني ان على الادباء ان يموتوا هذا العام بانتظار ان تناقش احوالهم العام
المقبل!.