لماذا ينتحر المشاهير؟

ثقافة 2019/07/20
...

هدية حسين
الانتحار عملية لإنهاء الوجود، لا تقتصر على فئة من دون أخرى، يتساوى الجميع مع اختلاف الدوافع، وإذا كان الفقير له مبرراته حين يلهث وراء لقمة العيش ولم يجد فيعيش العوز والفاقة ويعجز عن إطعام أفواه بانتظاره، أو العشاق وهم يختارون طريق الموت في لحظة ضعف حين يجعلون من عشاقهم آلهة وعالماً متوحداً لا يمكنهم الفكاك منه فينهار هذا العالم، فإن الأمر يدعو للدهشة بالنسبة للمشاهير الذين يملكون كل شيء، الشهرة والمال والوجاهة، فأي مبرر لهؤلاء يسوقهم لإنهاء حياتهم؟.
أدباء وفنانون ورجال أعمال ناجحون ورياضيون لهم جمهور عريض في شتى أنحاء العالم، لهم إنجازاتهم الكبيرة التي بقيت تعيش بعد موتهم بعشرات السنين، هم المثل الأعلى لآلاف المتابعين، مرت بهم لحظات لا نعرف ظروفها، هم وحدهم من يعرف حجم الألم الذي عانوه وهم يتخذون خيار الموت، فماذا عن حياتهم؟ هنا سنستعرض بعض هؤلاء الذين تغلبت مشاعرهم السوداوية على أي ملمح إيجابي في الحياة ليخرجوا بإرادتهم من روزنامة الحياة، ويظل السؤال من بعدهم مشرعاً عبر الأزمنة: لماذا فعلوا ذلك وهم في قمة العطاء؟ ليس بوسع أحد أن يقتنع بالأسباب المعلنة والدوافع التي قادت الى هذه النتيجة المفجعة، لأن الأسباب المعلن عنها للانتحار قد لا تكون حقيقية، أو قالت نصف الحقيقة وبقي النصف الآخر مجهولاً حتى الآن، فالنفس البشرية عالم جواني متشابك وغامض لا يدركه أحد، وقد يستعصي حتى على صاحبه.
فرجينيا وولف، انتحرت في العام 1941 بطريقة مبتكرة، فقد ملأت جيوب معطفها بالحجارة الثقيلة ودخلت النهر لتغرِق نفسها، صحيح أنها عاشت حياة قاسية في ظل أسرتها، ودُمّر منزلها في الحرب، الا أنها استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة كبيرة وكانت بحق أيقونة الأدب الحديث في القرن العشرين، وأسست مع زوجها دار نشر وعاشت معه سنوات سعيدة على الرغم من حالات الاكتآب التي تسيطر عليها، وقد تركت رسالة لزوجها تشكره فيها على أيام السعادة التي عاشاها معاً.. وإذا كان مرضها العقلي الذي شخصه الأطباء هو السبب، فما هي الأسباب التي تقف وراء انتحار عدد كبير من المشاهير الذين لا يعانون من مرض، بل هم في قمة عطائهم ونجوميتهم؟.
لماذا ينتحر مبدع مثل أرنست همنغوي؟ الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1954 وهو الذي خبر الحياة وجاب الآفاق وكتب أروع القصص والروايات، الذي نال الأوسمة لشجاعته عندما كان جندياً في الحرب، والصياد الماهر الذي لا ندري أي لحظات عاشها قبل أن يمسك ببندقية الصيد ويطلق على نفسه الرصاص في العام 1961؟ هل الانتحار في مثل حالته وراثة؟ فقد انتحر أبوه من قبل، وفي العام 1996 انتحرت حفيدته الجميلة مارغو همنغوي، الممثلة وعارضة الأزياء، والتي تعد أول عارضة أزياء تحصل على عقد بمليون دولار (ولدت في العام نفسه الذي حصل فيه جدها على جائزة نوبل للآداب).
ستيفان تسفايغ، الأبرز من بين كتاب أوروبا في بداية القرن الماضي، من قرأ روايته (أربع وعشرون ساعة في حياة امرأة) سيتذكر ذلك المقامر الذي خسر كل شيء في قاعة القمار، وحينما أنقذته امرأة ودفعت له أجرة الفندق لآخر ليلة حتى يسافر الى مدينته، ونقدته أيضاً بعض المال لتمشية أمور، فعاهدها وأقسم لها أنه لن يدخل صالة القمار طيلة حياته، لكنه في الليلة نفسها ذهب الى صالة القمار، ثم بعد سنوات ستنتهي حياة هذا المدمن بالانتحار، لماذا اختار ستيفان تسفايغ الانتحار مصيراً لشخصية هذا العمل، وبعدها اختار لنفسه النهاية ذاتها؟ هل أعجبته النهاية الدرامية فقرر أن ينهي حياته بالانتحار؟ ولماذا أراد أن يودع أصدقاءه ويشرح لهم أسباب انتحاره فكتب لهم 192 رسالة؟ بعدها دخل هو وزوجته غرفة نومه في بيته الفخم وابتلعا كمية كبيرة من الحبوب، ولم ينس أن يفعل الأمر نفسه بكلبه لينام عند باب غرفة النوم.. طريقة دراماتيكية كأنها خاتمة لإحدى رواياته.. يقول الدكتور فخري الدباغ إن «هذا النوع من الانتحار يسمى الانتحار الثنائي، وهو الرغبة في الموت مع شخص آخر تربطه به عواطف ساخنة ووشائج متينة « .. وهذا يذكرنا بانتحار هتلر مع عشيقته وإن اختلفت الأسباب.
عربياً نتذكر انتحار الشاعر خليل حاوي، وربما يكون سبب انتحاره واضحاً من دون غموض، لم يحتمل مشاهد دخول القوات الإسرائيلية واجتياحها للبنان في العام 1982 فأطلق النار على نفسه في منزله بشارع الحمراء.. وكذلك الكاتب والروائي الأردني تيسير السبول الذي أطلق النار على رأسه وهو في سريره عام 1973.. والكاتبة والروائية المصرية أروى صالح التي اختارت الموت بإلقاء نفسها من الطابق العاشر.
أسماء كثيرة لا يسعنا في هذه المساحة استعراضها، فقط للتذكير بمن اختاروا شكل موتهم انتحاراً: الشاعر الروسي فلاديمير مايكوفيسكي.. الرسام الهولندي فان جوخ.. الروائي الياباني يوكو ماشيما، الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، الفنانة الإيطالية المصرية داليدا.. الممثل الأميركي الشهير روبن وليمز... وآخرون.. ويبقى السؤال قائماً بغض النظر عن الأسباب والدوافع، لماذا ينتحر هؤلاء المبدعون وهم في قمة عطائهم؟ وإذا ما قُدّر لهم أن يتريثوا بضعة أيام، هل كانوا سيفعلونها أم يتراجعون عن قرارهم؟.