كان يمكن للشاعر ديريك والكوت (نوبل) أن يُنتخب أستاذاً لكرسي الشعر في جامعة أوكسفورد عام 2009 ، فقد كان أحد أبرز المرشحين، بل ربما كان المرشح الأوفر حظاً بالفوز لكن هذا لم يحصل، لم ينل والكوت منصب كرسي الشعر وذلك لانسحابه من المنافسة، وكان لهذا الانسحاب قصة.
لقد تم إنشاء هذا الكرسي تكريماً للشعر والشعراء عام 1708 في جامعة أكسفورد، أحدى أعرق وأهم الجامعات في بريطانيا والعالم، وذلك بموجب هبة من تركة هنري بيركهيد، وهو أكاديمي وشاعر توفي عام 1696. وقد تناوب على شغل المقعد طيلة سنوات هذه القرون ستة وأربعون شخصية كان من بينهم عدد من ابرز الشعراء والأكاديميين مثل سيسل داي لويس وأودن وشيموس هيني. يحصل أستاذ كرسي الشعر على راتب يعادل 4،695 جنيهاً إسترلينياً، إضافة إلى مبالغ طفيفة أخرى عن جولاته، مقابل دوام جزئي يكون بموجبه ملزماً بإلقاء ثلاث محاضرات سنويا عن
الشعر.
كان والكوت المرشح الأبرز حسب تقديرات الصحافة، خصوصاً أنه نال نوبل عام 1992، لكن ومع بدء ترشحه جوبه باعتراضات وبكلام يتحدث عن ماضٍ من التحرش الجنسي في الجامعات الأمريكية.
كان هذا يبدو أشبه بحملة منظمة، فقد أثير كلام عن أن مئة من أساتذة أوكسفورد قدموا بياناً معترضاً على سلوك والكوت في الجامعة ومن ثم على ترشحه، وكان على الجانب الآخر من هذه الاعتراضات مَن يتحدث عن أن هذا الماضي، إن صحَّ، فلن يؤثر، فأستاذ كرسي الشعر لن يكون على اختلاط بالطلبة.
لم يفضّل والكوت مواصلة التنافس في هذه الأجواء فانسحب واصفاً الحملة ضدّه بـ (الهابطة والمهينة).
هذه تقاليد جامعية يُراعى فيها القول والسلوك، خصوصاً أنها تتعلق بحدث هو الآخر يعزّز تقليداً جامعياً عريقاً ومهماً في تاريخ الجامعة وعموم التاريخ الثقافي البريطاني، تقليد اختيار أستاذ كرسي الشعر في أوكسفورد.
انسحاب ديريك والكوت أدى إلى أن تفوز، وللمرة الأولى بتاريخ المقعد وانتخاباته، شاعرة، هي روث بادل.
فازت بادل بعد منافسة مع شاعرة أخرى من أصل هندي. لكن روث بادل لم تحتفظ بالكرسي لأكثر من تسعة أيام فقط، وكانت التقاليد واحترامها وراء خسرانها
الكرسي.
فقد تنازلت بادل عن الكرسي بعد تسعة أيام على تمتعها به، وذلك بعدما تنازلت عنه وسط كلام أثير ضدها بأنها كانت ممن شنوا حملة تسقيط ضد ديريك والكوت.
فقد كشف صحفيان عن أنهما كانا قد طلبا في السابق معلومات من بادل فيما يتعلق بآراء الناخبين بصدد ترشّح والكوت، وعن أنها ذكرت لهم، بموجب رسالة عبر الانترنيت، أن ترشّحه هو مصدر قلق بعض الناس عن مدى ملاءمة اختيار شخص لديه مثل هذا السجل الجامعي.
ولم يشفع لبادل حتى ما كانت قد قالته حينها:” أتمنى ألا يكون قد انسحب”، فقد تخلت عن الكرسي واستقالت، إنه ضغط التقاليد الأكاديمية وتأكيد قيمة الكلام بما يراعي أو يخالف التقاليد.
في الحالتين، حالة والكوت وبعده بادل، كان الإعلام ضاغطا ومؤججاً للمشاعر والمواقف. لقد حصل هذا في مختلف وسائل الإعلام البريطانية وذلك قبل وبعد انسحاب والكوت واستقالة بادل.
سيمون ارميتاج آخر أستاذ لكرسي الشعر في أوكسفورد خلال السنوات الأربع الأخيرة أعرب عن أسفه حينذاك لاستقالتها. وقال:” أعتقد أنه ما كان ينبغي لها أن تستقيل” معبراً بامتعاض عن تجاوبها مع” دوامة وسائل
الإعلام”.
لقد أرجع كثير من المعلقين الحملة الإعلامية ضد روث على أنها تعبير عن (كره النساء).
لكن (كره النساء) لم يصمد كحقيقة، فالفائز مؤخراً بموقع الكرسي هي أيضاً شاعرة بريطانية، أليس ازوالد، التي أعقبت الشاعر سيمون ارميتاج.
جدير بالذكر أنه كان من بين منافسي ازوالد شاعرة أخرى هي تود سويفت التي كانت، هي الأخرى كما والكوت، قد جوبهت بحملة اعتراضات شديدة بسبب ما قيل عنها من” سلوك غير منضبط بمواقع التواصل”.
لم تفز سويفت بفعل التصويت وليس لانسحابها، مثلما حصل لوالكوت، أو إلغاء ترشحها. كان المنافس الأبرز لأزوالد شاعر لم يسعفه التصويت بالفوز.
ازوالد شاعرة محافظة لكنها تقدمت ببيان يمكن وصفه بالطليعي عند ترشحها، فقد تضمن البيان التأكيدَ على أنها” تتعهد بأنه إذا تم انتخابها، فسوف تتطلع إلى تنظيم “ أحداث شعرية متطرفة” مثل “قراءات طوال الليل للقصائد الطويلة، والشعر في الظلام أو في الضوء الملون، وحتى ربما كرنفال للترجمة، قصر الذاكرة، قصيدة سيرك،.. أو معرض قصائد متنقلة “.
ويضيف البيان أن:” من الممتع أن نكون منخرطين في الشعر في الوقت الذي يتغير فيه وسيطه بشكل جذري كما حدث في القرن الثامن قبل الميلاد. لا أرى أيَّ سبب يمنع قصائد انستغرام من أن تكون جديرة بالقراءة مثل القصائد الملموسة أو القصائد البصرية للصينيين الكلاسيكيين. إنني أرحب بفرصة دعوة الشعراء الشباب للانخراط في نقاش حول ما كان عليه الشعر وما آل إليه”.