في يدي جمرة الكلام

ثقافة 2019/07/22
...

فيوليت أبو الجلد
- 1 -
مئة عام من الغبار 
ما زلتُ ألمّع الزجاج بالجرائد المكتظة بالموتى 
بإعلانات السفر الى بلدان بعيدة. 
آلاف الأحداث ، عشرات الحروب،
كوارث ، زلازل ، أعاصير ،
وأنا في غرفتي 
أراقب انسحاب الضوء من النافذة،
من الأغاني ، من حياتي. 
أراقب المطر والشهوة والعطش
أرسم على الحائط نبعا ورجلا،
أترك رأسي عاريا لشتاء مرتقب 
أو لشمس تأخرَت في زحمة الكواكب والأقدار. 
ألف ليلة وليلة 
أنا في غرفتي أراود اللغة 
أحصي عدد الكلمات المرسلة في مقال الى الله 
وأعُدّ على أصابعي ما فاتني من مكافآت. 
لعلّي أدمنت غيابك أيتها الأشباح الصديقة ،
ها النافذة لا يطرقها رعب 
لا غريب ولا طريق. 
 
- 2 -
لرقصة عمياء أن تَرى وأن تُرى
للتلوّي الأخرس هذه اللغة. 
لمناسك الجسد قديسون ولصوص وبرابرة ،
حين تدقّ طبول أفريقيا 
ويستريح ناي الرعاة. 
يستريح الخياطون 
على أطراف القماش المتلألئ بالضوء وبالرغبة ،
يستريح الواعظون أمام هول الخطيئة ،
تستريح النصوص الموزونة خلف بحر حائر. 
أيها الرقص 
أيها الخيّال الموغل في السراب ،
يا رنين الكؤوس المترعة بالحب و بالضحك. 
- 3 -
لم تعد للجنّة نكهة الخلاص 
ولا للجحيم رائحة الخطايا. 
لم يعد للجسد قوام الروح
ولا للروح احتمالات العودة.
لم يعد الحب وليمة للنار ،
لا أحد يفقد صوابه ،
لا أحد ينهار، 
لا سارق ولا مسروق ،
لا قاتل ولا مقتول. 
لا أحد يرمي بنفسه من شرفة عالية 
من أجل امرأة غادرت للتو. 
لا أحد ينزل مغامرا على السلالم العتيقة خلفها. 
بهدوء ... بهدوء
يضاء المصعد ثم ينطفئ
ثم يضاء ثم ينطفئ. 
لم تعد المرأة التي غادرت منذ دقيقتين 
تشعل الحروب ،
لا تحرق بلدانا 
لم يعد الهجران
 وحشة بليغة. .
 
- 4 -
أنهال بالحب ، 
أخفّ، 
أبتهج ثم أنهمر بالدمع،
باللغة البديلة. 
عويل نساء في دمي 
وحشة ذئاب ،
جرحى ، ضحايا ،أبطال.
أنهال بكل ما بي عليّ ،
أقف أمامي
أقف ورائي 
أطوقني بحبلي السري الأول 
ثم ألتف وأعود الى رحم الحياة 
بكامل بكائي 
وأعود الى رحم الحب 
بكامل دعائي. 
في يدي جمرة الكلام 
في جسدي ما حان من وصلكَ 
ما حان من هجركَ
ما تأخر واعتذر.
أنا جميع أعدائي ،
جوقة مرنمين ، 
حشد ملائكة ،
شيطان من سلالة الطغاة الجبابرة 
ورصاصة أخيرة من أسلاف الوداع
من أبناء اللغة القديمة.