جورج وسوف الانتحار الابداعي

الصفحة الاخيرة 2018/11/08
...

سامر المشعل
لم يكن جورج وسوف مطربا عاديا مر مرور الكرام على الذائقة السمعية العربية، انما بصمة متفردة في عالم الغناء والطرب الشرقي، ذا روحية مختلفة في الغناء، قدم منجزا ابداعيا يحسب على جيل الكبار، الا أن جورج وسوف الذي تسلق سلم النجومية والمجد في عالم الغناء، لم يحافظ على حنجرته الذهبية، وطغت حياته الشخصية على حياته الفنية فخسر الاثنين بوقت مبكر.
استسلم لاشتهاءاته فأخذ يدمن على الحشيشة والمخدرات والكحول والسهر والنساء، حتى اخذت حباله الصوتية يعتريها الوهن وتظهر فيها خشونة مزعجة لاذن المستمع، ويضعف صوته ويشيخ بوقت مبكر، وانا اصف ذلك بالانتحار الابداعي، الذي شنه جورج وسوف على نفسه.
جورج وسوف السوري المولود في العام 1961 عانى الكثير في حياته من الفقر والعوز والحرمان، حتى ترك المدرسة وتفرغ للفن منذ صغره، وتعرض لاول صفعة عندما تقدم للاختبار من قبل صباح فخري الذي كان نقيب الفنانين، طرده وقال له"روح غني لامك" وهو بعمر 12 سنة. لم يستكين انما خطى نحو الفن بخطى الواثق من موهبته وقدراته الابداعية، وكانت انطلاقته الحقيقية نحو عالم الغناء والشهرة، عندما لحن له الملحن الكبير بليغ حمدي أغنية"دقيت على الابواب".
وعندما ابتسم القدر لجورج وسوف وصار يتقلب بنعيم المال والشهرة لم يتوازن، وهي ظاهرة سايكولوجية جرفت الكثير من نجوم الفن والرياضة والسياسية بتيارها، خصوصا اولئك الذين تنقصهم الثقافة والوعي بالمكانة التي وصلوا اليها. فلم يحافظ على صوته واهمله، ولم يضع الفن هدفا اسمى بحياته، فكانت النتيجة ان تشرخ صوته وشاخ قبل الاوان.
جورج وسوف الذي يلقب بسلطان الطرب اصبح مادة للتندر واحيانا للشفقة، فقد اصيب بمرض ضعف العظام واخذ يتنقل من مشفى لاخر للعلاج من الادمان، وينصحه البعض من زملائه للكف عن الغناء احتراما لتاريخه الفني.. يحزننا ان نرى هذه الطاقة الابداعية الكبيرة، تشيخ قبل الاوان، وهذا الصوت الهادر بامواج الطرب الشرقي، الذي كان ينعش فينا براعم الذائقة الجمالية وهو يصدح بأجمل الاغاني مثل"الهوى سلطان"، و"كلام الناس"، و"روحي يانسمة"، و"لسه الدنيا بخير".. وغيرها.
فعندما كانت الاغاني تسير مع تيار السطحية والابتذال، كان صوته يوقظ فينا الطرب والحنين لايام الغناء الاصيل.