{زكيح} فدعة

الصفحة الاخيرة 2018/11/08
...

محمد غازي الاخرس
ومن أصعب مقطوعات فدعة قولها: شدله على أم جفجاف الأزرك..بأّول سرب جتي إتمزرك..تشبه لعد الطير واﺴﺑك.. يحسين يا خشبة اﻟﻌﺴﻟك..يجاري بوسط خدّه ايتغفدك. وتستمر في عرض استعارات كأنها صور سينمائية: يحيّة إتّفيه بهرش غردك.. يصلّ البزاغوره إﯿﺘﻟﺑك.. ﯿﭽتل براسه وذيله أﺴﺑك..ويطلع على السدره إيتمشرك.. يجر ناسها وكل صيده إكوك.. يا مهدار بس يزكح ويرﻫك. أما الجفجاف فرداء يغطى به مشد الفرس، وأصلها "التِجفاف" الذي كانت تضعه العرب على الخيل في الحرب وأغلبه من المعدن، ذهَبُوا فيه إلى معنى الصلابة، ومنه "الجف" أي الوعاء من الجلد يوضع على الناقة. المهم أن فرس حسين الصويح بأول سرب أفراس المعركة قد ظهرت كما تصف فدعة، وظهورها جاء بصورة "تتمزرك" بها، أي أنها تمرق بخفة، ومنها قولهم "يتزاركون" وفي العربية يطلقون تسمية المزراق على القصير من الرماح، ويقولون:"زرقه بالمزراق زرقاً إِذا طعنه أَو رماه به"، والغريب في أمر هذه الفرس "المتمزركة" أنها تشبه الطير وتبدو أسبق منها في الركض، وواضح من السياق أن فدعتنا تصف وضعا يتراوح بين الجود بالنفس والجود المال، فأخوها "خشبة عسلك"، والعسلج: غصن ناعم، وقيل إنه نبت ينبت على الشواطئ ويتثنى من النَّعْمة، وكذا ترسم فدعة لأخيها صورة نهر يجري في وسط خده ويتدفق بالمياه، يجاري بوسط خده يتغفدك، وأصل "يتغفدك" من الغفق التي تعني كثرة الشراب، يقولون: تغفق الشراب أي شربه ساعة بعد ساعة. 
هذا ما يتعلق بكون حسين جوادا بماله، فماذا عن جوده في الحرب؟ الاستعارات التي تتوالي هنا تدور حول صورة أفعى تتفيأ في ظل غصن شجرة غردق صحراوية. تستعير فدعة ذلك وتعضده باستعارة صورة صلّ يكمن في جحر و"يتبلك" لخصومه، و"التلبك" التحرك بسرعة لا يستطيعون معها مجاراته، والأصل من اللباقة، أي الظرف في الكلام، وقد يستقى منه معنى السرعة في العمل بقرينة قولهم: لبق الثريد، أي خلطه. تقول فدعة أن ذلك الصل عادة يقتل الخصوم برأسه، ومع هذا فإن ذيله أسبق من ذلك الرأس في الحركة، ﯿﭽتل براسه وذيله أﺴﺑك، وهذا بالضبط ما تفعله الأفعى حين تهاجم الفريسة. بعد ذلك يتبدى لنا حسين وكأنه يستمتع بالقتل إذ يسارع بعد الإيقاع بخصومه إلى الصعود إلى أعلى السدرة لـ"يتمشرك"، و:التمشرك" اتخاذ مكان أمام الشمس، ويسميه العراقي "مشراكة" كونه يقابل شروق الشمس. ليس هذا حسب، بل إن هذا الصل، حسين، يجرجر صيده من المعركة وكل صيده مصاد من "كوكة" الرؤوس، و"القوقه" بالعربية صفة تقال للأصلع، ثم تقول له: يمهدار بس يزكح ويرهك، والمهدار ذو الصوت الهادر، ويزكح: يصرخ، والأصل من "الزقح" أي صوت القرد، ومعلوم أن صوت القرد هادر وشبيه بصوت الإنسان إذا غضب، وثمة للمقطوعة تكملة أنا عائد إليها ولسحرها.