حسين الصدر
- 1 -
قد يشتط بعض الشعراء حين يستقل الكثير متى ما تعلق الأمر بذاته ، ويستكثر القليل متى ما تعلق الأمر بغيره ..!
وتلك هي الذاتية والنرجسية الذميمة ، والاّ فانّ الانسان الصافي لا ينبغي له ان يتألم اذا فاز الآخرون بشيء من حطام الدنيا ..
- 2 -
وشيء آخر لا يُطيقه بعض الشعراء وهو أنْ يرى عند غيره من الشعراء ما ليس عنده .. فيسعى نحو الحصول عليه ، ولا تهدأ نفسه الاّ حين يكون عنده .. المثال التاريخي
نُقل عن الحسين بن الضّحاك – وهو شاعر معروف قوله :
(كنتُ في المسجد الجامع بالبصرة ، فدخل علينا أبو نواس وعليه جبّة خز جديدة ، فقلت له : من أين هذه يا أبا نواس ؟
فلم يخبرني فتوهمت انه اخدها من موسى بن عمران لانه دخل من باب بني تميم ، فقمتُ فوجدت موسى قد لبس جبّة خزّ أخرى فقلتُ له :
كيف أصبحتَ يا أبا عمرانِ ؟
فقال : بخير صبحّك الله به ،
فقلتُ : يا كريم الإخاء والإخوانِ
فقال : أسمعك الله خيراً ، فقلتُ :
انّ لي حاجةً فرأيكَ فيها
اننا في قضائها سيّانِ
فقال : هاتها على اسم الله وبركته
فقلتُ : جبّةٌ من جبابك الخزّ حتى
لا يراني الشتاء حيثُ يراني
قال : خذها على بركة الله .. فنزعتها وجئت وأبو نواس جالس فقال :
من اين لك هذه ؟ فقلت :
من حيثُ جاءتك تلك «
الاغاني (7 / 183 – 184)
انها طباع تشبه طباع الصبية الصغار الذي لايُطيق احدُهم أنْ يرى في يد غيره لعبةً ليس له مثلها ..!!
- 3 -
وأما ما يملأ نفس بعض الشعراء غيظا وألَمَا فهو أنْ ينال غيرُه الحظوة عند الحكّام دون ان ينالها هو ..!! انهم يتحاسدون
ويتباغضون ..!!
نُقل عن علي بن الجهم – الشاعر الشهير – صاحب الرائية المعروفة :
عيونُ المها بين الرصافةِ والجسرِ
جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري
نقل عنه قوله : « دخلتُ يوماً على المتوكل .. وفي يده غصن أس ،
وهو يتمثل بهذا الشعر : بالشطِّ لي سكنٌ أفديه من سكنِ
اهدى من الآس لي غصنين في غصُنِ
فقلتُ اذ نظما إلفين والتبسا
سيقا ورعياً لفألٍ فيكما حَسَنِ
فالأس لاشك آسٍ من تشوّقنا
شافٍ وآسٍ لنا يبقى على الزمنِ
أبشرتماني بأسبابٍ ستجمعنا
انْ شاء ربي ومهما يقضِهْ يكنِ
قال : فلما فزع من انشادها قال لي وكدتُ أنشقّ حسداً :
لمن هذا الشعر يا علي ؟
فقلتُ : للحسين بن الضحاك يا سيدي
فقال لي : هو عندي أشعر أهل زماننا ، وأملحهم مذهبا ، وأظرفهمنمطاً
فقلتُ وقد زاد غيظي : في الغزل يا مولاي
قال : وفي غيره ، وانْ رغم أنفكُ ومُتْ حسداً ..»
المصدر السابق /170 وهكذا انتهى المشهد بخذلان علي بن الجهم، وتفضيل صاحبه عليه، لا في الغزل وحده ،بل في جميع الأغراض ، الأمر الذي تركه حزينا
مهموماً.