وللمكتبات وجهٌ آخر ..!

ثقافة 2018/11/09
...

حسين الصدر
 
- 1 - 
حينَّ نلمحُ في بيت أحدِ أصحابِنا مكتبةً عامرة، بكتبها ونفائسها، يتبادَرُ الى أذهاننا أنّ صاحب المكتبة رجلٌ معنيٌّ بالآداب والعلوم والثقافة، ومتابعٌ للإصدارات الجديدة في شتى حقول المعرفة، وبالتالي ينتزع منا التقدير العالي لما هو فيه، من عناية وتفاعل مع المعطيات العلميَّة والأدبيَّة والثقافيَّة.
 
- 2 -
وإذا صحَّ هذا الانطباع على كثيرين فإنّه – للأسف – لا يصح على قسمٍ آخر من جماعَةِ الكُتُبِ، الذين يتخذونها زينةً لدواوينهم، وغرف استقبالهم لضيوفهم...، ذلك أنهم لا يمتون للعلم والآداب بصلة من قريب أو بعيد، إنهم يملكون من المال ما يستطيعون معه أنْ يشتروا ما شاؤوا من أمهات الكتب والمصادر وبمختلف اللغات، ولكنهم لا يملكون شيئاً مما يمكنّهم من الغوص في تلك البحار ...
 
- 3 -
لقد قال العلامة الشاعر السيد جعفر الحلي – وهو من العلماء والأدباء:
 
مَلَكَتْ فكرتي بِكارَ المعاني
والى الآن ما ملكتُ كتابا
لم يكن قادراً – رحمه الله – لقلَّة ذات اليد – أنْ يشتري كتاباً واحداً، فضلاً عن أنْ تكون له مكتبة عامرة، بسبب الظروف الماديَّة الصعبة التي كان يعيشها العلماء والآدباء في عصره ...
 
- 4 -
وقد يرث بعضهم مكتبةً عامرة من أبيهِ، وهو لا يملك القدرة على الاستفادة منها، وفي مثل هذا قال الشاعر:
 
وعند الشيخِ كُتْبٌ من أبيه
مسطرةٌ ولكنْ ما قراها
 
- 5 -
جاء في كتاب نفح الطيب 1 / 463 :
"قال الحضرمي :
أقمتُ مدة بقرطبة، ولازمتُ سوق كُتُبِها مدةً، أترقب فيها وقوع كتاب لي بِطَلَبِهِ اعتناء، الى أنْ وقع، وهو بخط جيد وتسفير (تجليد) مليح ففرحتُ به أشد الفرح، وجعلتُ أزيد في ثمنه، فيرجع اليّ المنادي بالزيادة عليّ، الى أنْ بلغ فوق حّدِهِ، فقلتُ
 له:
يا هذا :
أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى أبلَغَهُ الى هذا المبلغ من الثمن؟، فأخذني الى شخص عليه لباس رياسة، فدنوتُ منه، وقلتُ له: أعز الله سيدنا الفقيه، انْ كان لك غرض في هذا الكتاب تركتهُ لك، فقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حدّه،
فقال لي: 
لستُ بفقيه،
ولا أدري ما في الكتاب،
ولكني أقمت خزانة كتب،
واحتفلت فيها، لأتجمل بها بين أعيان البلد،
 
وبقي فيها موضع يسعه هذا الكتاب، فلما رأيتهُ حسنَ الخطّ، جيدَ التجليد، استحسنتُه، ولم أبال بما أزيد فيه
قال الحضرمي :
فأحرجني، وحملني على ان قلتُ :
انه يعطي الجوز من لا عنده أسنان "
 
- 6 - 
وقَلَّ في أيامنا هذه الباحثون عن الكتب، كما كان يبحث عنها (الحضرمي)، أما أمثال صاحبه الذي كان ينتقي الكتاب الجميل بتجليده وخطه، فإنهم ليسوا بالقليلين ...
وهنا تكمن الكارثة ...