نفوقُ الأسماكِ يدقُّ ناقوسَ خطرِ تلوثِ البيئة

ريبورتاج 2018/11/09
...

 بغداد / بشير خزعل 
مئات الأطنان من أسماك الأحواض ونهر الفرات نفقت بشكل مباشر من دون معرفة الأسباب الحقيقيَّة وراء موتها حتى الآن، وتعرض مربو الأسماك في محافظات بابل والكوت وسدَّة الهنديَّة ومناطق أخرى لخسائر ماديَّة كارثيَّة، بعد أنْ نفقت الأسماك الموجودة في مزارع تربية الأسماك بشكل جماعي مفاجئ، وأشار متخصصون الى خطورة أنْ يكون موت الأسماك كارثة بيئية مستقبلية غير منظورة في نهري دجلة والفرات اللذين طالهما الأهمال بشكل فاق التصورات، بعد أن أصبح مجرى النهرين في مواقع كثيرة متنفساً لتصريف المياه الآسنة ومياه المجاري ومخلفات المعامل والمستشفيات مع انخفاض كبير في منسوب المياه وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف الذي يدوم لأكثر من 6 أشهر.إهمال
الهدر بالثروة الحيوانيَّة وجعلها عرضة لأوبئة بيئية بشكل مفاجئ ومن دون مؤشرات تحذيريَّة من قبل القائمين على شؤون البيئة والصحة وسلامة الثروة الحيوانية، أثار تساؤلات كثيرة عن مدى الإهمال الذي تحظى به البيئة والثروة الحيوانية في العراق، وكشف أحد مربي الأسماك عن أنَّ «سبب موت أسماك الأحواض هو ماء النهر الذي يستخدمه مربو الأسماك في تغذية الأحواض التي تقع على مسافة قريبة من نهر الفرات»، إذ يقول جاسم خضير صاحب مزرعة تربية أسماك في محافظة بابل:إن «المرض الذي أدى الى نفوق الأسماك سببه تعفن الخايشيم بشكل سريع، إذ تنفق الأسماك في أقل من ساعتين بعد أن يتمكن منها الفايروس من خلال مجاري مياه النهر التي تدخل الى أحواض التربية»، واضاف خضير: «لم تُصبْ الأسماك الموجودة في أحواض التربية المعزولة عن مجرى مياه النهر والتي لم يتم استبدال المياه فيها قبل الكارثة بالمرض، ما يدل على أنَّ الفايروس القاتل أتى مع مجرى المياه».
وبين متضرر آخر أنَّ التلوث هو سبب جميع الكوارث البيئيَّة والصحيَّة التي يتعرض لها مربو الأسماك، وأكد محمد كاظم (صاحب علوة أسماك في منطقة جميلة ببغداد)، أن «بعض الأسماك تتلوث بمادة الكاز والنفط، وقبل أشهر قمنا بإتلاف عشرات الأطنان التي تم جمعها من علوة الأسماك بعد أنْ تبين أنها تلوثت بمادة النفط الذي ترمي به بعض المعامل كمخلفات في النهر».
ولم يستبعد كاظم أن يكون ازدياد نسبة التلوث في نهري دجلة والفرات قد أدى الى انتشار فايروسات قاتلة للأحياء المائيَّة الموجودة في النهر.
 
خسائر
وبين أصحاب مزارع تربية الأسماك، أنَّ الخسائر الماديَّة التي تكبدوها تقدر بمئات ملايين الدنانير، إذ بلغت خسائر المزارعين مبالغ مالية كبيرة لا تقل عن 300 مليون دينار عراقي لكل مزرعة أصابها المرض ونفقت أسماكها، فضلاً عن تراكم ديون كثيرة على أصحاب معامل الأعلاف وباقي متطلبات المزرعة التي قد تزيد من نسبة الخسارة لتصل الى 400 مليون دينار، علاوة على تردي أسعار الأسماك في الأسواق المحليَّة وعزوف المواطنين عن شرائها، الأمر الذي يصعب من مهمة أصحاب مزارع تربية الأسماك ما لم تتدخل المؤسسات الحكومية لمساعدتهم في تجاوز الأزمة.
الباحث البيئي سمير عبد الواحد أشار الى أنَّ «ضعف الأداء الرقابي على الأنهر العراقية التي أصبحت في أجزاء واسعة منها مجاري لتصريف مياه المجاري ومياه المبازل وبعض المؤسسات الصحيَّة تلقي بمخلفاتها الطبيَّة الخطيرة في النهر بشكل مباشر، مع وجود أزمة مياه وانخفاض مستوى المنسوب ووجود تجاوزات كبيرة وكثيرة، الأمر الذي أدى الى أنْ يكون نهرا دجلة والفرات غير آمنين بشكل طبيعي على الثروة السمكيَّة التي تتعرض الى تلوثات كثيرة بعضها مرئي وأخرى تمر من دون أنْ يتم الالتفات إليها، ولذلك يجب أنْ يعاد النظر من قبل جميع المؤسسات المعنيَّة بسلامة البيئة العراقيَّة وخصوصاً في الأنهر بإعادة النظر في مستوى خدماتها وآلياتها التي تقوم بها بشكل فعلي بعيداً عن الدراسات والبحوث التي تحفظ على الرفوف من دون أنْ تتم الفائدة منها».
واضاف عبدالواحد «ما لم تضع الوزارات المختصة والدولة العراقيَّة قوانين صارمة لسلامة البيئة وإعادة هيكلة المؤسسات وتحويلها الى مؤسسات متخصصة وفاعلة وليس مجرد دوائر مكتبيَّة تغص بعاطلين لا يقدمون أي خدمة، ستظل البيئة العراقيَّة تعاني من كوارث تفوق في خطورتها ظاهرة نفوق الأسماك في الأنهر».
 
إجراءات
وزارة الصحة والبيئة كشفت عن نيتها الاستعانة بمختبرات أجنبيَّة لمعرفة أسباب نفوق كميات كبيرة من الأسماك، وفيما أكدت محافظة واسط أنَّ المرض يصيب أنواع التربية فقط من دون غيرها بنهر دجلة، منعت محافظة ذي قار دخول الأسماك من المحافظات التي سجلت إصابات.
وقال وزير الصحة والبيئة علاء الدين العلوان خلال الزيارة التي قام بها الى محافظة بابل: «إنه ستتم الاستعانة بمختبرات خارج البلاد لمعرفة الأسباب التي أدت الى نفوق آلاف الأطنان من الأسماك في الكوت».
وبيَّن أنَّ «أكثر من وزارة مشتركة برفع وتنظيف نهر الفرات من الأسماك، إذ تم رفع 1500 طن من الأسماك النافقة»، مؤكداً «تعرض مربي الأسماك الى خسائر كبيرة جداً»، لافتا الى أنَّ البحث جارٍ عن احتمالات وجود أسباب آخرى لنفوقها.
الوكيل الفني لوزارة الصحة والبيئة الدكتور جاسم الفلاحي أكد أن «وزارته اتخذت إجراءات عمليَّة لمعرفة أسباب نفوق الأسماك واحتواء تأثيراتها الصحيَّة والبيئيَّة، وتبني إجراءات وقائيَّة لمنع تكرارها».
وبين أنَّ «الوزارة اتخذت إجراءات عاجلة بالتنسيق مع الزراعة والبيطرة والموارد المائيَّة والشرطة البيئيَّة وقيادة شرطة ومجلس محافظة بابل، كما شكلت فرقاً تحركت ميدانياً لمعالجة الظاهرة وأخذ نماذج للفحص لمعالجة المسببات».
وافصح الفلاحي عن تنفيذ وزارته «حملات توعية للمزارعين والمواطنين إسهاماً بعدم زيادة الإصابات وانتقالها الى محافظات أخرى، وكيفية التخلص من الأسماك النافقة بشكل علمي سليم»، منوها بأنَّ «قسم الرقابة الصحيَّة بدائرة الصحة العامة والمركز الوطني للأمراض الانتقالية، يتابعون المستجدات على مدار الساعة».
 
محافظات
عضو مجلس محافظة بابل حيدر الجنابي بيَّن أن الحكومة المحليَّة وجمعيَّة مربي الأسماك في المحافظة يقومون بإحصاء الخسائر في مزارع تربية الأسماك على أمل الحصول على تعويض من الحكومة الاتحاديَّة، منوها بأنَّ «وزير الصحة وعد بوضع جهد الوزارة بالاستنفار لحين انتهاء الأزمة».
وأشار مدير زراعة واسط المهندس أركان مريوش الى أنَّ «خلية الأزمة وإدارة الكوارث الطبيعيَّة بالمحافظة، عقدت اجتماعاً طارئاً لتحديد أسباب نفوق الأسماك بالحقول الطينيَّة والأقفاص العائمة واتخاذ الإجراءات للحد من انتشار المرض».
وأوضح أنَّ «المحافظة تمتلك 196 حقلاً طينياً لتربية الأسماك، و64 مشروعاً للأقفاص العائمة بحوض دجلة»، مفصحاً عن «مفاتحة خلية الأزمة ووزارة الزراعة لتوفير العلاجات واللقاحات لمواجهة المرض، وإرسال نماذج من الأسماك المصابة الى المختبر المركزي ببغداد لتشخيصه، مع إبلاغ المربين بإبعاد الأسماك المصابة عن مشاريع التربية».
 
فطريات الأحواض
مدير بيئة واسط المهندس صباح عباس، أوضح أنَّ الإصابات استهدفت أسماك التربية فقط، مؤكدا «عدم إصابة الأسماك الحرة في النهر»، مبينا أنَّ إجراء التحريات عن أسباب هذه الحالة بين وجود إصابة فطريَّة بين أسماك مزارع الأقفاص العائمة بنهر دجلة، بسبب كثافة أعدادها داخل القفص مقارنة بمساحة الحوض».
واضاف، أنَّ «أسباب الانتشار تعود الى سوء تصرف بعض المربين الذين يقومون برمي الأسماك المصابة داخل النهر، الأمر الذي حوَّله الى وسط ناقل وسريع للمرض، فضلا عن انتقال الإصابة الفطريَّة الى أحواض تربية الأسماك ضمن الحقول الطينية خلال استبدال مياه الحوض»، مؤكدا أنَّ «الثروة السمكيَّة في المحافظة أصبحت مهددة بالنفوق الكامل»، وحذر من انتقال الإصابة الى المحافظات الجنوبيَّة بسبب انتقال الإصابة خلال سريان مياه
 النهر.
واستنفرت المحافظات الجنوبيَّة مؤسساتها البيئيَّة والصحيَّة لمواجهة الأزمة، ففي محافظة الديوانية بينت مديرة بيئة المحافظة ساهرة خليل أنَّ»الفرق البيئية سحبت عينات من مياه نهر الدغارة القريب من الحدود الإدارية لمحافظة بابل لتحليلها»، مؤكدة توجيهها بـ»ضرورة منع إدخال الأسماك من خارج المحافظة خلال المدة المقبلة لحين التأكد من القضاء على مرض (تعفن خياشم
 الأسماك)».
كما منعت محافظة ذي قار دخول الأسماك إليها من المحافظات التي سجلت إصابات، وفق ما ذكره النائب الأول للمحافظ عادل الدخيلي، إذ تم تشكيل لجان تضم دوائر: الصحة والزراعة والبيطرة ومديريَّة شرطة ذي قار موزعة بين مداخل المدن لمراقبة الأسماك الداخلة للمحافظة، مؤكدا أنَّ الجهات الرقابيَّة أتلفت حمولة من الأسماك المصابة قادمة من محافظة
 بابل.
وفي محافظة النجف الأشرف أكد مدير زراعة المحافظة الدكتور مجيد جاسم جياد «عدم تسجيل أية إصابة في مشاريع إنتاج الأسماك بالمحافظة»، منوها بأنَّ «قسم خدمات الثروة الحيوانيَّة بالمديريَّة بالتعاون مع المستشفى البيطري، نفذ جولات ميدانية بمشاريع الأقفاص العائمة في منطقتي الكوفة
 والعباسية».