نوزاد حسن
امس صباحا لم استطع البقاء في غرفتي التي تشبه المنفى الاختياري.كانت السماء تمطر،فقررت ان اذهب بحثا عن رائحة الارض بعد ان تتبلل.مشيت قرب احدى الحدائق فشممت رائحة الشجر بهدوء وكأني احصل على هدية،بقيت اسير وانا اراقب كل شيء من حولي،السماء العميقة الفارغة من الغيوم ونقاط المطر التي تسقط رذاذا عذبا على شعر رأسي.كنت احمل شمسيتي كبطل ماركيز في روايته القصيرة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" ،الا ان شمسيتي ليست مثقوبة كشمسية بطل ماركيز.كنت احملها للطوارئ لكني لم اكن قد فتحتها.
فكرت اني وحيد في ذلك الصباح الماطر،خطاي هادئة جدا وهي تدل على اني اريد ان اعثر على شيء معين.وان اكتشف لغة جديدة تساعدني على الفهم اكثر،فهناك ما هو غامض حقا في السياسة وهناك ما هو مؤلم في الواقع.
كنت في حقيقة الحال فردا عابرا لحدود حياته البسيطة وكانت في داخلي افكار كثيرة ولهب احمر هو شعوري بأني وحيد في عالم سياسي لا اعرف متى تنتهي صراعاته.
في البداية اردت ان افرغ عقلي من اي ازعاج يحاصرني به الفيس بوك او الاتصال الشخصي او منظر غرق احد الشوارع،اردت ان اعقد صلحا مع الواقع،كانت مهمتي هي استنشاق هواء مليء برائحة الشجر.ويالها من مهمة كبيرة.انا بحاجة لهذا اليوم الماطر، لكني في الحقيقة كنت اعود الى اشارات واقعي ومفاجآته الغريبة.ولعل اخر ما اثار انزعاجي هو تلك الهجرة الكبيرة للاسماك نحو موتها.
آلاف الاطنان فجأة طفت ميتة،غطت وجه نهر الفرات في كارثة حقيقية،لم اكن بطبيعة الحال اتصورهذا الألم الجديد ،الذي خزنته في ذاكرتي كي يبقى طازجا وتساءلت كيف يمكن ان تحل أزمة الاسماك النافقة وما هي
اسبابها؟.
وعلى الرغم من اني سمعت جميع المعنيين ،الا اني كنت اعيش القصة الحزينة وحدي وانا اسير تحت رذاذ ساحر.
نعم ما قيل هو تفسيرات وتبريرات ،لكن التبرير ليس عصا موسى تقلب الحقائق رأسا على عقب،فهناك حالة وقعت وضعتنا امام مشهد يكاد ان يكون مرعبا وبعد ان نفكر نكتشف ان ما حصل هو لقطة لا تكاد تختلف عن لقطات كثيرة نشاهدها يوميا بالالوان
نفسها.
اظن ان حادثة تسمم آلاف الاطنان من الاسماك وبهذا الشكل الذي رأيناه ،مع تضارب في اسباب حدوث هذا التسمم. لم تكن بالبداية الجيدة لحكومة عبد المهدي ومع ذلك فلا بد من متابعة الموضوع والوقوف على السبب الحقيقي لما حدث.
كنت مهتما بهذه الحادثة ولعل من كان يراني لن يدرك ان منظر الاسماك النافقة توسط مركز تفكيري.وطرحت على نفسي سؤالا من باب الفضول ،هل شغل منظر الاسماك الميتة اطرافا في الحكومة من غير الوزارات المعنية ،إلى درجة ان النهر المغطى بهذه الثروة المهدورة تحول الى حوار داخلي سياسي حقيقي في قلب بعض السياسيين.