عباس الصباغ
لايضيف شيئا من يقول ان موازنة العام المقبل (2019) ستكون مختلفة بعض الشيء عن الموازنة الاتحادية السابقة لها، من ناحيتين الاولى، كونها شهدت ارتفاعا نسبيا في معدلات اسعار النفط في السوق العالمية ،فيتحتم على واضعي قانون الموازنة الجديد ان يعدّلوا من قيمة سعر البرميل ،الذي سيُبنى على ضوئه قانون هذه الموازنة والى سعر افتراضي معقول بعد ان كشفت وزارة المالية عن ان الموازنة الاتحادية للعام المقبل اعتمدت مبلغ (65) دولاراً للبرميل وبمعدل تصديري يصل الى اربعة ملايين برميل ،بضمنه المصدّر من اقليم كردستان، وهي اسعار شبه معقولة تساعد على إحداث التغيرات المالية المطلوبة ما يمنح الدولة هامشا اوسع لتعزيز الخدمات والمصاريف ، والناحية الثانية ان هذه الموازنة شهدت ـ ولله
الحمد ـ
انحسارا شبه كلي للإرهاب الداعشي ،بعد ان تم تطهير ارض الوطن من دنسه ، ونتيجة لهذين العاملين ستتحقق وفرة مالية لابأس بها لم تكن لتحظى بها الموازنة السابقة التي عانت الكثير من شظف الموارد الداخلة فيها من جهة ومن تردي اسعار النفط ابتداء من 2014 اي بالتزامن مع الغزو الداعشي الاصفر للاراضي العراقية،ممّا تطلّب اموالا باهظة لعملية التحرير ، ولكن بعد مضي الايام بدأت اسعار النفط تتحسن رويدا رويدا
، وبدأت وزارة المالية تتحدث عن وفرة مالية مشجّعة لسد العجز المالي في الموازنة ولكن هي اسعار ليست "انفجارية " في احسن الاحوال، لكنها ممكن ان تلبي الحدود الدنيا من الصرف ، وهذه الوفرة المالية وان لم تكن بأرقام كبيرة الا انها ستساعد الجهد الحكومي ،اضافة الى الجهد المالي الدولي في إعمار المناطق المنكوبة او التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية او للعدوان الداعشي المندحر ، وان كان الوقت مبكرا لأي توقع في اسعار النفط وتأثير ذلك في الموازنة، الا انه توجد توقعات متفائلة بوصول اسعار النفط إلى نحو 80 دولارا في المستقبل
المنظور .
ولكن ورغم ذلك الاختلاف النسبي في موازنة 2019عن الموازنات الاتحادية السابقة الاّ انها لاتختلف ادنى اختلاف عن تلك الموازنات ، فقد بقيت موازنة ريعية تعتمد برميل النفط معيارا ثابتا في تمويلها رغم عدم استقرار مناسيب اسعاره في السوق العالمية ، وهنا يكمن الخلل القاتل و يضاف اليه بقاء بعض الموارد الداخلة في التمويل تحت الهامش كالزراعة والسياحة والصناعة التحويلية، فموازنة 2019 المقبلة هي موازنة ريعية بامتياز وستشهد تراجع بقية الموارد ماعدا النفط الذي بقي يشكّل 98 بالمئة من النفقات التي تغطي الموازنات الاتحادية كل عام ، فيما تشكّل بقية الموارد نسبا ضئيلة جدا لاتقاس مع تصدّر النفط ، ويبقى العجز ملازما لها ايضا وان كان اقل في المعدل من السنة الفائتة واجمالي العجز المخطط له يبلغ اكثر من 22 ترليونا و ستتم تغطيته من الوفرة المتحققة من زيادة اسعار النفط الخام
المصدّر .
ويُستشف للوهلة الاولى من موازنة 2019 انها مازالت تدور في ذات الحلقة المفرغة التي سبق وان دارت فيها جميع الموازنات السابقة من كونها اعتمدت في ابواب الصرف على الجانب التشغيلي تاركة الجانب الاستثماري تحت الهامش ، وكان الجهد المالي منصبا على " تأمين" رواتب موظفي الدولة ، وكأن واجب الدولة من عمل الموازنات الاتحادية يتلخص في شيئين رئيسين فقط : الاول تأمين مناخ تصديري مناسب وآمن للنفط الخام عبر منافذه الاقليمية ، والثاني تأمين رواتب موظفي الدولة الذين تصل اعدادهم الى اكثر من ثمانية ملايين وهو رقم كبير جدا قياسا الى اجمالي سكان العراق ، وكان على الحكومات العراقية المتعاقبة جميعا انشاء (صندوق السيادة الوطني النفطي) والذي عملت به الكثير من الدول النفطية وهو صندوق اشبه بصناديق التوفير والذي يستحصل مبالغ الوفرة النفطية المتراكمة ويوفرها للأجيال اللاحقة تفاديا لحالة نضوب النفط الذي يدخل في الريع الاساسي لاقتصاديات تلك البلدان ، وهذا الامر لم نجد له اثرا في العراق حتى على مستوى الفكرة بل غاب العراق تماما عن السجل العالمي لهذه الدول ، ويزيد الطين بلة ان الاقتصاد العراقي ليس اقتصادا ريعيا فقط بل انه اقتصاد يهمّش بقية الموارد الاقتصادية الى حد مخيف او متلاشٍ كالزراعة والصناعة والسياحة والصناعة التحويلية وهذا ما كشفت عنه جميع الموازنات الاتحادية ، فالإشارة تبقى إلى النفط فقط
دائما.