علي حسن الفواز
إذا كان التوصيف الوضعي يحدد ربط نجاح السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية، فهذا لا يعني الرهان التجريدي على فرضية هذه العلاقة، وعلى احكامها، وعلى معطياتها العامة، لأنّ مفهوم السياسة يرتبط بالسياق الذي يستعمل فيه، وبقدرة السياسة على أن تكون فناً للمصالح والعلاقات العامة، مقابل أن تكون- ايضا- فناً في الادارة الناجحة وفي البناء المؤسسي، وهذا مايُعطي للسياسة الخارجية توصيفا آخر، يمكن أنْ يجعل من نجاحها مصدرا للاسهام، ولتعزيز العمل في مجال السياسة الداخلية، وبما يحميها من الصراعات والتخندقات التي كثيرا ما تتورط فيها القوى السياسية الوطنية..
حديث السياسة الخارجية في الواقع العراقي يخضع للاسف الى كلّ تعقيدات السياسة الداخلية، والى عشوائياتها، حتى يبدو وكأنه حديثٌ خاضع للطابع الوظيفي، لا أثرَ له في اعادة توصيف الحالة العراقية، وفي تبني أيّ جهدٍ من شأنه أنْ يُشكّل حضورا فاعلا وضاغطا في التعاطي مع ملفات معقدة، ومتراكمة، والتي ظلت مهملة منذ تاريخ الاستيزار الخارجي من عام 2005 وحتى الآن.
هذا الكلام ليس نقدا، ولا حتى تصويبا، بقدر ماهو وصفٌ لواقعٍ ينبغي العمل السريع والمهني على تغييره، من خلال اعادة النظر بالهيكل الوظيفي للوزارة، وبطبيعة عملها، وبالمهام التي ينبغي القيام بها، وتصديها لمشكلات باتت تضع العراق في الخانات الاخيرة عالميا، على مستوى توصيف الدولة، وتوصيف جواز السفر العراقي، وعلى مستوى هوية السفراء والعاملين فيها، وعلى مستوى دورها الثقافي في ابراز صورة العراق الجديد، وعلى مستوى دورها في مقاربة ملفات لها اثرها في السياسة الداخلية مثل الارهاب والعنف، والعلاقات الدبلوماسية الناجحة والتبادلية بالمثل مع الدول الاخرى، وعلى مستوى الحصول على الفيزا، أو حتى التعامل الغرائبي مع العراقيين في المطارات العربية والاقليمية بشكل خاص.
ما حدث في القاهرة
ايقاف الوفد الفني العراقي في مطار القاهرة ومنعه من الدخول للمشاركة في اعمال المونديال الفني يؤشر هذا الخطب الذي تعاني منه السياسة الخارجية العراقية، وعدم (احترام) الاخرين للسياقات والبروتوكولات الدبلوماسية مع الوفود العراقية، وحصر الأمر بالجانب الأمني فقط، وكأن الموفَدين العراقيين يخضعون في العقل المطاراتي المصري وفي غيره من المطارات العربية الى توصيف امني مجرد، وهذا مايتطلب موقفا حاسما مع هذه الدول، وصولا الى التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اية دولة تتجاوز هذا الحق الاخلاقي والسياسي والعرفي في العلاقات الدولية، او تأطير هذه العلاقات باتفاقيات معلنة، ومعروفة ومع اعلى المستويات الرسمية في هذه الدول.
إنّ حسم هذه الامور يجب ان لايكون أمرا ثانويا، وأن لايكون عمل وزير الخارجية وكابينة الوزارة هو حضور المؤتمرات فقط، والمشاركة في فضاءات بروتوكولية، مقابل اهمال العناية بالاهتمام بالصورة الوطنية وتيسير المشاركات في المؤتمرات وفي الفعاليات الثقافية والفنية والسياسية والرياضية، فكثيرا ما نسمع ان الوفد الفلاني لم يحصل على فيزا دخول البلد الفلاني، او حرمان مجموعة من الوفد من الدخول، وقيام بعض الدول بتعقيد الحصول على الفيزا، ومنع دخول العراقيين اليها، او القيام باجراءات وتصرفات استفزازية للعراقيين في بعض المطارات، وتحت صبغة امنية تقلل من قيمة الزائر كما يحدث في مطارات مصر والاردن وغيرها.
ماحدث في القاهرة ،ينبغي أنْ لا يمر بسهولة من قبل وزارة الخارجية العراقية، وعليها ان تقوم بما ينبغي القيام به، والتعامل بالمثل مع اية جهة تقوم بمثل هذه التصرفات، وان تبادر الوزارة بادارتها الجديدة الى التعاطي مع هذا الواقع بمسؤولية مهنية واخلاقية ووطنية، وصولا الى عرضها في المحافل العربية والدولية، فما يحدث في العراق من تغييرات، ومن تحولات ينبغي ان تنعكس على السياسة الخارجية مثلما هو تأثيرها في السياسة الداخلية، لاسيما في التأطير المهني لجهدها ولمسؤولياتها، وفي الضغط على الدول التي تنظر الى العراق وكأنه بلد ازمات وصراعات امنية فقط، مقابل أنّ لها استثمارات بالمليارات مع العراق، وهو مايعني العمل على تكاملية هذه العلاقات على مستوى تنظيم المصالح المتبادلة، وعلى مستوى احترام الحضور العراقي، وجواز السفر العراقي، وبعكسه اتخاذ الاجراءات التي تخولها السياقات الدبلوماسية بين الدول، لان التهاون في مثل هكذا اجراءات هو الذي يعطي لهذه الدولة او تلك من أنْ تغلو في مواقفها وفي ممارساتها، بعيدا عن ما تقتضيه الاعراف والمواثيق، وحتى ماتتطلبه الاتفاقات المبرمبة بين الدول العربية الاشد قسوة على لحظتنا العراقية من الآخرين.