أمنية .. سحقتها ساق مكسورة

ثقافة 2019/07/28
...

علي حداد
 
 
كنت أريد ان اصير طبيباً.. لأعتني بأمي وأبي.. وأخواتي.. لكنهم جاؤوا يحملون أبي الذي أنزلق وسقط على الارض.. وكسرت ساقه.. وكان لابد لي وأنا الابن البكر.. أن أعمل في المقهى الصغير بدلاً منه.. وقد أجرى له طبيب من بغداد عملية جراحية أتضح فيما بعد ان هناك خطأً ما.. وأنه يحتاج الى عملية أخرى.. لكن بعد ستة أشهر.. وهكذا فقد أجرينا له.. ثلاث عمليات على فترات متباعدة.. وبقيت أعمل وأوفي جزءاً من الدين الذي غرقنا فيه.. وحين ذهبت الى بغداد لرؤية الطبيب.. لم استطع أن أمسك نفسي عن الثورة في وجهه.. فطردني من المستشفى.. وكنت أبكي بحرقة.. وتمضي السنين بطيئة وسريعة.. حزينة وسعيدة.. وذات ليلة وقفت سيارة طويلة امام (اوجاغي) وترجل منها رجل طويل.. نظيف.. بأظافر مقلمة.. وحذاء مصبوغ ونظارة طبية.. وطلب مني قدحاً من الشاي.. نظرت اليه.. طويلاً.. عرفته.. وكيف أنساه.. سألني باستغراب:
- أنت تحدق بي.. هل تعرفني؟
- أنت طبيب.. أليس كذلك؟
- نعم. من انت؟ هل تعرفني..؟
- كنت اتمنى ان أصير طبيباً..
- وما الذي..
- ساق أبي .. المكسورة.. يا طبيب
وما منعني.. هم أولادي .. الذين ينتظرونني .. وربما كان واحداً منهم يحمل في قلبه أمنية.. لا أريد أن اسحقها ولو بجمجمة طبيب!.