{وجوه ملوّنة» رحلة في غيابات الذاكرة الاسترجاعية

ثقافة 2019/08/02
...

حامد عبد الحسين حميدي 
قصصُ (وجوه ملونة) لرجاء الربيعي ، وبما تحمله من يوميات ساخنة ، ترصد فيها جملة من المشكلات المجتمعية ، وخيالات ما تبوح به المرأة/ الأنثى، حيث تميل في أكثرها إلى الإغراق في الوصف الخارجي قبل الولوج في تفصيلات العرض، لتنقلنا إلى عالمها الواقعي الممهور بسرابيّة الانتظار والحلم والغياب ومحاولة التشبث بالماضي الذي كان نقطة تمحوّر أساسي لديها،  أضف إلى إنها اعتمدت : أسلوب النقد المعالج البنّاء في توصيل ما تروم إليه، رغبة منها في جعل قصصها دعوة مفتوحة لفحص الواقع المرير، وهو يرزخ تحت وطأة الغيابات ، والفشل والتخبّط ، ومحاولتها خلق الحلول التي توازن ذلك في ذهن القارئ الفاعل . في (مزق ملوّنة)  تبرز لنا ظاهرة الانتظار المُملّ المُضجر من قبل الجارّة الحبيبة في عودة المحبوب الغائب الغارق في عدمية المكان ، الذي تلاشت ملامحه في لجّة النسيان وخراب الذاكرة ، لذا جعلت القاصّة (الربيعي) الصور القديمة لدى الجارة أداة تستطيع من خلالها إثبات آخر ما تبقى من أروقة الغياب / الموت ، الدالّ في ترميز ( الخشبة الباردة ) 
ص 11 - 12 .
في (خيالات امرأة عاشقة) ، تعالج مشكلة الرجل والمرأة ، وما يدور في مخيلتها من ذكريات جامحة، لذا/ استطاعت أن تحرك مجسّاتها السّردية ضمن تقنيّة توصيف لا تهدأ ، فهي تحاول أن تغطي مساحة الفضاءات التي تشتغل عليها بانسيابية تامّة ، ليبرز لنا الغائب (هي / هو) محوراً أساسياً في بث لواعج الحزن والخسارات التي تواجهها في مجتمع لم تجد فيه مخارج أزمتها النفسية ، لذا مالت إلى استخدام بعض الثيمات الدالة على ما ينمّ بها من متناقضات : ( الملابس البيضاء رمز الهدوء والنقاء والطهر والتجدّد والإشراق ، بينما الأوراق الصفراء وهو اللون المناقض للفرح والسعادة وبما يحمله من الهمّ والحزن والذبول والموت والفناء ، لحظاتها طائر هذه الكناية التي تدلّ على الحرية المتقلب أمام متغيرات الحياة) . هكذا تحاول أن، تضعنا القاصّة أمام أنوثة تعاني من روتين الحياة ورتابتها وبين ذاكرة تعيد تحفيز خيانات في رومانسية الرجل ، الموزّعة على نساء أخريات من دون الاكتفاء بها، ص 20 .
بينما في (آذار) وما تحمله هذه العنونة من دلالات واضحة المعنى (واحتفل بمولدي في 31 آذار من كل عام، كما لم تلاحظ أني البس الأحمر في هذه الحفلة البسيطة لميلاد عزيز على قلبي) ص 30 ، إذا/ اسمها وميلادها مقرون بانتمائها بعلائقية مرتبطة روحيّاً، هي تفتح نوافذ خلود المواقف النضالية في مواجهة ظلامية الدكتاتورية، وما تمخضّ عنها من أساليب قمعية/ قهرية تجاه الحراك التحرّري الواعي المتمثل بالحزب الشيوعي، لذا/ راحت ضمن تسجيلية استرجاعية تتابعيّة، تسرد لنا عن موقفها البطولي في إنقاذ أحد الموظفين من اعتقال الأمن له من خلال تهريبه من دائرته وتمكينه من الخلاص منهم، ليتحقّق لقاؤهما بعد سقوط النظام اثر عودته إلى الوطن ولقائه الأحبة والأصدقاء في قاعة المقرّ، وفي أعماقه دَيْنٌ وجميلٌ لها، 
ص 32 .
إنّ نجاح رجاء الربيعي، كان واضحاً في لغتها القصصيّة الفصيحة، مع جنوحها  - نادراً ما - في استخدام المفردات العامية أو غير العربية: ( الكيبورد ص18/ روزنامتها، فايل ص 22 ، الفاترينات، الاريشارب ص 37/ طرطشت ص 42/ شاجورك ص 44 / مكشكشة ص 46، وقدرتها على استرجاع مخزون الذاكرة بتقنيّة التوصيف الدالّ، واختفائها ضمن متماهيات نقل الحدث والشخوص .