بانتظار الشاعر الانقلابي!

ثقافة 2019/08/03
...

زعيم نصار
الشعر أصبح الآن قوياً قوةً كبيرة، نابضاً بالحياة، وقد اصبح من الليونة بحيث نراه مستعداً لأي تغيير جذري، وبلغت الحساسية الشعرية حداً من التطرف يمكنها ان تستوعب التجديد الانقلابي المرتقب، نحن بحاجة لصنف من الشعراء الأقوياء. شعراء انقلابيون يقومون بتأسيس طريق جديدة متطرقة في كتابة الشعر، يحاولون التغلب على العوائق لتغيير الشعر لزمنهم وللزمن المقبل. هل علينا أن ننتظر شعراء انقلابيين عاملين في اقصى دقة يجيئون بتجارب منفردة ناجحة.
 
حدود العقل
وبما إن الإنسان كل متكامل فهو يحتاج في قوامه وتوازنه الباطني، وفي تحقيق طموحه الى المعرفة الشاملة والسيطرة على الكون المحيط به، الى قواه ومداركه، ولا يقدر على التضحية بجانب من شخصيته وبعض ذاته. لذلك لم تصمد النظرية القائلة بان تطور العلوم وسلطان العقل والمنطق ونواميس الواقع الصارمة تقضي على الشعر بالموت والعزلة وتعتبر ان ازدهاره يتناسب تناسبا عكسيا مع تطور المجتمعات وحظها من العلوم والتفكير الموضوعي.
بل ان التقدم العظيم الذي سجله العلم هو الذي كشف حدود العقل من حيث هو الطريق الوحيد الى المعرفة، والجواب الشافي على الاسئلة الرهيبة التي لا تزال تفرض نفسها على الانسان في سعيه الى معرفة ذاته ومنزلته في الوجود ومصيره. وقد وضع العلماء الأمور في نصابها الحقيقي، واعترفوا بان العقل وحده لا يقدر على انارة ما غمض من اسرار الوجود بل انهم أقروا بان اكتشافات العلم نفسها تفرض على الضمير الانساني اسئلة محرجة وتضاعف من قلقه وتعمق شعوره بالحاجة الى تجاوز العلم والغوص في اعماق اخرى غير البحث العلمي والطرائق الموضوعية.
 
الشعر ملاذاً
وقد كان قبلهم عالم الذرة " انيشتاين " الذي ارتعدت فرائصه لهول ما اكتشف وادرك الخطر الكبير الذي يهدد الانسان، فتبرأ من العلم و لاذ بالفن والشعر واعتبرهما ملاذا اسمى من التفكير الآخذ بقواعد الرياضيات. وكم من فيلسوف ومفكر  استنجد بالشعر امام الكوارث المتتالية التي انتابت العالم والخيبات المتكررة التي منيت بها القيم.
استنجد بالشعر امام الشر والقتل والفساد، والرجات العميقة التي هزت التفكير الوضعي المنتحل للروح العلمية، فكأن الشعر هو الملاذ الأوحد لحرية الانسان وحاميه الاول من عقارب اليأس، والسبيل الأمثل لمعرفة ذاته، وترجمانه على لا نهائيته الأخلاقية وواقعه المطلق. 
أما "جاستون باشلار" فتيقن من عجز العلم أمام المجهول الكوني حيث قال: " نحن العلماء علينا أن نتعلم من الشعراء أسرار الكون" في هذا الاتجاه نجد الشاعر سان جون بيرس يحدد ماهية الشعر في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة تسلمه جائزة نوبل للآداب فيتساءل: حين نقدر ازمة العلم العصري وهو يكتشف حتى في المفاهيم المطلقة الرياضية حدوده المنطقية وحين نشاهد في الفيزياء نظريتين من امهات النظريات تقرر الأولى مبدأً عاماً للنسبية والأخرى مبدأً كمياً للايقين واللاحتمية من شأنه ان يحدد الى الابد دقة القياسات الفيزيائية نفسها، وحين نستمع الى اعظم مجددي العلم وهم يستنجدون بالحدس لمؤازرة العقل ويعلنون " ان الخيال هو الحقل الحقيقي لانتعاش المفاهيم العلمية" هنا من حقنا ان ننادي الانسان في اللواذ برؤية شعرية كونية شاملة الى الاشياء، ومن حقنا ان نجعل للأداة الشعرية ما للأداة المنطقية من الشرعية.
 
الشعر أسلوب حياة
الشعر يعطل في دمنا حركة الموت، كلام تحريضي على الحياة، يخلق بين الموجود وزواله صورة عابرة و حقيقية مثلنا، انه تحويل اليومي إلى كينونة، هو الكلام الجوهري الصافي الذي يلغي جسدية الأشياء، و يفجر فيها نبع فكرتها و روحها، يخلق في الحيز التصوري جنائن بديلة، الشعر هو الحياة بأصواتها، وأشكالها، وألوانها، هو العواطف و المشاعر والأحاسيس و الفعل و الانفعال، هو الجسم والروح، هو البقاء والفناء، في لحظة الشعر نلمس الحياة، و نعيد صياغة أنفسنا، و فيه نتذوق عدمنا، الشعر معرفة لكل شيء، الشعر هو ملاك  الارض، ملاك فيه يمتزج المرئي و اللامرئي، يخترق الأمكنة والأزمنة، ملاك يطوي المسافات، ملاك يجيب على كل الأسئلة، من نكت جناحه نرشّ النور في خرائب العالم، نرى ونسمع ونشم الكون به، باسمه نمتلك اسمنا، باسمه نصنع ذواتنا، الشعر هو ناي الليل، هو قيثارة الأبدية.
إن جوهر الشعر بنية جميلة مكتنزة بالنور مهمتها ردم هاوية الاغتراب الذي حصل 
بين الذات الإنسانية والطبيعة منذ اغتراب انكيدو وقبله ربما! هذا يعني كلما يعجز الإنسان عن تحقيق عودته إلى أصله و أصالته الأولى 
أو تكامله القديم المتمثل باتحاده وتمسك الطبيعة به، والخلاص من انفصاله الذي حدث في الأزل الأول، عليه أن يستنجد بالخيال تلك الأداة الخارقة الجمال لخلق جنّة بديلة، لجنّة مفقودة، بديل لما هو مألوف ومتعارف عليه، لذا 
علينا أن نمسك معول الخيال لبناء حضارة الشعر التي تنقذ العالم من الخراب والتدمير والموت.
 
الخلاصات
طرق الشعر بعدد أنفاس الشعراء الاقوياء، لكل طريقه الخاص في كتابة شعره.
*
الشعرية موجودة في كل شيء، في كل لمسة، في كل نظرة تختلف عن نظر العوام.
*
حينما تكون لشاعر ما رؤيا مختلفة عن رؤى الآخرين، يحتاج إلى وسيلة توصيل حرة لهذه الرؤيا.
*
اللغة منزلنا في هذا العالم، وهي حرة بأقصى درجات التحرر، اللغة هي كيان الإنسان ووجوده، بل الإنسان هو اللغة.
*
الشاعر أوفر حظاً من الحجر بديمومته وبقائه وصلابته، بلغته يتصل بأبعاد الكون، يصل بأقصى سرعة إلى كل مكان.
*
الموسيقى واللوحة والقصيدة والرواية والمسرح والسينما، عوالم متنوعة تنبع من عالم واحد 
هو عالم المعرفة والجمال والمحبة. وكلهن ينهلن من محبرة واحدة لعمل واحد هي محبرة الخيال. 
*
التطورات التي تهدد بقاء الشعر هي نفسها تؤكد الحاجة اليه ما دام الجنس البشري موجودا.
*
اذا كان الادب هو تعبيرعن الثقافة، فالشعر هو تعبير عن الرقة قبل الثقافة وبعدها كما يقول الشاعر خوان رامون خمينيث. 
*
حالة الخلاف مع توجهات العصرتبرر للشعراء انقلابهم الشعري المرتقب.