بابل ملهمة اللون والكلمة

ثقافة 2019/08/03
...

صلاح السيلاوي
الشاعر والأكاديمي مازن المعموري الذي اصدر مجاميع شعرية عديدة واهتم بدراسة الفن التشكيلي في جامعة بابل أجابنا على أسئلة تخص أثر الحضارة البابلية على الفن التشكيلي العراقي والشعر أيضا مبينا أن سؤال الهوية في الفن التشكيلي العراقي انبثق مع الرواد بداية القرن العشرين على يد النحات جواد سليم الذي دعا الى تأسيس لوحة عراقية تحمل سمات هوية المكان والثقافة. ولفت المعموري إلى أن الخيار المطروح في هذا المجال ، كان ذا اتجاهين واضحين هما: الاول: التاريخ العراقي القديم المتمثل في فنون بابل وآشور وغيرها من الحضارات التي ظهرت على هذه الارض. الثاني التاريخ الاسلامي، والذي أسهمت في تسيده النزعة القومية للاحزاب الحاكمة. وبذلت في ذلك الغالي والرخيص لترسيخ صورة العربي الشامخ والحصان العربي على يد فائق حسن والرجوع الى مرويات الف ليلة وليلة على يد محمد غني حكمت ورسومات جواد سليم عن البغداديات والحكايات الشعبية بطريقة الواسطي بصفته المرجع الوحيد لما يسمى بالفن العربي الاسلامي. وأضاف المعموري موضحا رأيه: كما أسهم شاكر حسن آل سعيد باستدعاء الفضاء الصوفي الاسلامي لتطبيقه على فن الرسم. وبلغت ذروة التجربة الفنية للشكل واستدعاء الهوية الثقافية في اعمال النحات الكبير صالح القره غولي الذي تفرد في مجال التقنية والصورة وأنتج لنا أشكالا مختلفة ومبهرة مصنوعة من الصوف واعواد القصب والاحجار وشيش الحديد ليخلق لنا كائنات عراقية نابعة من الاهوار العراقية بكل شخوصها وعيونها المفتوحة وطولها الفارع وهي تمسك الفالة راكبة المشحوف العراقي الاصيل. هذه الشخصيات التي خلقها الفنان القرغولي تنتمي للمكان العراقي السومري ومنه الى كل الاماكن الاصيلة لحضارة ما بين النهرين.وعن رأيه بأثر بابل في الشعر قال المعموري: في الشعر لا يمكن تجاوز تجربة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب وهو أول من طرق باب الاسطورة العراقية والبابلية بشخصيات معروفة مثل تموز وعشتار وغيرها من المفردات المعروفة للجميع وفتح بابا جديدة للتعامل مع الارث الهوياتي للمكان بصفته الشمولية دون تمييز دراسي يخص الفارق بين الفترات الزمكانية لكل حضارة في العراق(بابل/سومر/أكد) وغيرها. لكن الاستعارة والرمز لعبا دورا هاما في صناعة تجربة الشعر الحديث بالكامل. هناك الكثير من الشعراء تناولوا الارث المكاني لحضارة بابل والاسماء كثيرة جدا. لكنني أريد الاشارة الى أنني تعاملت مع المكان البابلي بشكل مباشر في عدة اعمال شعرية وأدائية تخص المكان والحضارة وعلاقتي بها بدأت بإقامة ورشة أدائية في مدينة بابل وشواخصها المعروفة مع الفنان محمد عبد الوصي وليس آخرها أعمالي الشخصية في الشعر الادائي في أكثر من مكان أثري في بورسيبا وأسد بابل وشارع الموكب 
وغيرها.
 
المؤثرة في الأسفار التوراتية 
الباحث الدكتورعلي عنبر السعدي قال: بابل الخالدة، مبدعة القصائد وملهمة الفنون،وصانعة الملاحم،على الرغم من أنها المدينة الأكثر تعرضاً للعنات في الأسفار التوراتية، المشبعة بروح الانتقام،لكنها كذلك الأكثر تأثيراً في تلك الأسفار ذاتها. تقول أولى القصائد في تمجيد بابل(ستحولون مدنهم الى خراب، وتؤوبون بابل بثمين الغنائم، وجميع الحكام سيجلبون الى بابل أتاواتهم، ولأيام طويلة ستسود بابل فوق الأرض)لكن أزمنة طويلة ستمضي منذ ان سقطت بابل بيد قورش في 539 ق/م فيها تختفي من التأثير المباشر على الآداب والفنون،وان بقيت ثقافتها ألسنية فيما دفنت ألواحها أو سرقت،الى أن بدأت المكتشفات تظهرعن بابل وما تخفيه.
 وأضاف السعدي أيضا: تأخر أدباء العراق ومبدعوه،الى مرحلة أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، قبل ان ينتبهوا الى بابل وما تشكله من كنوز ملهمة في الكثير من المجالات، فكان ان نفضت بابل الغبار، وبدأت الحداثة مع رائدها بدر شاكر السياب:(ليَعْوِ سربروس في الدروبْ- في بابلَ الحزينة المهدَّمهْ ويملأ الفضاء زمزمهْ).قلما نجد  شاعراً لم يمر ببابل ورموزها،وأكثر الرموز استحواذاً على(روح القصيدة)عشتار في الحب وتموز في الخصب،حيث شكل الرمزان بما يشبه(ثيمة)القصيدة العراقية الحديثة،الذي نسجت عليه بنية كاملة للشعر العراقي.أما في الرواية،فتمثل حضور بابل(برموزها)كذلك،في العديد من الروايات كرواية “بنادق النبي” للروائي سالم حميد،الذي استحضر فيها شخصية ماني(النبي)البابلي الذي لم تنصفه كتب التاريخ كثيراً. وفي الفن التشيكلي،ظهرت بابل في مجموعات من اللوحات لرسامين عراقيين بارزين كشبيب المدحتي الذي جعل من بابل مصدر الهام للكثير من لوحاته.ولاتزال بابل تثير المخيلة المبدعة وتحثها لتقديم المزيد – انها بابل ساحرة
 العصور.ِ