حسين الصدر
- 1 -
قليلون اولئك الذين استطاعوا أنْ يبعدوا الحقد عن نفوسهم وأنْ يطهروها من الضغائن ..
- 2 -
انّ صفاء النفس من الشوائب، من أعظم ما تزدان به الشخصية الانسانية من مزايا وصفات، وهو يرتفع بها الى ربوات عالية من المكانة المتميزة الرفيعة بين الناس، وشتان بين من يصطلي بنار العداء الضاري لهذا الفريق او ذاك لا لشيء وانما لمجرد الادلاء بكلماتٍ لم تعجبه ...،
ويختزن الواقعة في ذاكرته، ويبقى منتظراً الفرصة التي تتيح له الايقاع بصاحب تلك الكلمات التي لم يرد منها الاساءة اليه وانما أراد ان يسعفه بمساعدةٍ ولطف ، ولكنه يأبى ذلك لتمرسه في اللؤم والخبث ...، وبين من لا يحمل في قلبه ولا في ذاكرته عن أحد شيئا من الحقد أو الضغينة...
- 3 -
الشاهد التاريخي :
نقل الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء) ج20 ص 281-282 في ترجمته عن (ابن السلاّر ) – وزير الظافر بالله العبيدي بمصر عن ابن خلكان صاحب وفيات الأعيان انه قال عنه:
كان جنديا فدخل على الموفق التنّيسي ، فشكا اليه غرامةً ، فقال :
انّ كلامك ما يدخل في أذني ،
فلما وزر – اي لمّا صار ابن السلاّر وزيراً – اختفى الموفق
فنودي في البلد :
من أخفاه فدّمُه هدر فخرج في زيّ امرأة ، فَأُخذ فأمر (ابن السلاّر) بلوحٍ ومسمار ، وسمّر في أذنه الى اللوح ،
ولما صَرَخَ، قال :
دخل كلامي في أذنك أم لا ؟
والملاحظ هنا :
ان (ابن السلاّر) مع هذه القسوة الغليظة ، لُقّب بـ (الوزير العادل )،
ومن هنا نعلم حجم الانحياز المقيت لصالح الحكّام في كتب التاريخ، والاّ فأين العدل في مثل هذا العقاب الصارم الذي لم ينزل الله به من سلطان ؟
" ان كلامك ما يدخل في أُذني " كلمة قالها (الموفق) وهي تقطر تكبراً واستعلاء ورفضا للاصغاء الى تظلم جنديّ صغير .، ولكن هذا الجنديّ قفز الى الوزارة بعد حين ، وكان الأولى به ان يترفع عن تعقب مثل تلك المفردات الهامشية الصغيرة، ولكنه أبى الاّ ان ينتقم ، وبقسوة وغلظة...
ان هروب (الموفق) تزامنا مع توّلي (ابن السلار) الوزارة يشعر بأنه كان يتوقع الفتك به من قبل (ابن السلاّر) ولم يستطع مع التخفي بزي النساء ان ينجو من قبضة الحقود اللئيم ..!!
وهكذا انطبعت هذه القصة على صفحات كتب التراجم لتبقى مثالاً صارخاً للاحقاد الدفينة والضغائن المستعرة اللهيب في الصدور .
وتلك شيمة كل وضيع حقير .
- 4 -
اين هذا مما صنعه الوزير ابن هبره حيث كان آذاه شَيْخُهُ في صباه فلما صار وزيراً استحضره واكرمه "
سير اعلام البلاء ج20 ص 428
وكم (لابن السلاّر) من نظير في كل عصر وفي كل مصر
وجاء في التاريخ :
ان المعتضد كان قد أخذ مالاً لأعمى ، فاضطر هذا الى الرحيل الى مكة مجاوراً
فبلغ المعتضد انه يدعو عليه ، فأرسل رجلاً أعطاه جملة دنانير مطلية بسُّم ، فسار هذا الى مكة وأوصلها الى الاعمى فقال :
يظلمني باشبيلية ويصلني هنا ؟
ثم وضع منها ديناراً في فمه كعادة الأضِرّاء فمات من الغد .
وبلغه أنَّ مؤذناً هرب منه الى طُليطُلة فبقي يدعو عليه في السحر، فنفّذ من جاءه برأسه..!!
أرأيت كيف يكون الحقد الضاري ؟
يقطع رأس من يدعو عليه !!
أو يقتله بالسم ...!!
سير اعلام النبلاء /19/59
يقال :
ان رشيد مصلح التكريتي كان ممن وبّخ (ابن العوجة) على سوء تصرفاته أيام الانقلاب العفلقي المشؤوم في 8 شباط / 1963 وما اجترحه (الحرس القومي) من فظائع باعتباره الحاكم العسكري العام .
وقد بقي (ابن العوجة) حاقداً عليه حتى أخرجه على شاشات التلفاز يعترف على نفسه (بالجاسوسية) قبل ان يُنفذ فيه حكم الاعدام ..!!
ولم يكن ينأى عن حقد (ابن العوجة) المستعر، كلُ الأحرار والشرفاء الذين لا يرضيهم ان تؤول مصائر البلاد والعباد، الى يد مغامر طائش ظلوم، لا يقل نرجسية وأنانية عن (فرعون)، ويزيد ضراوة وشراسة على كل الطواغيت الذين سبقوه فقد أخذ عنهم وزاد عليهم ...
ان أقرب المقربين اليه وهم اصدقاؤه الشخصيون من اعضاء القيادتين القطرية والقومية كانوا ضحايا حقده الدفين واجرامه الفظيع .
من ذا الذي يُحصي ضحاياه
ومَنْ بسيف الحقد أرداهُ ؟
اللهُ ما أفظعه حاقداً
ما كان أقساه وأشقاهُ