عدنان أبوزيد
يتذمّر بعض العراقيين من الضريبة، ويتمنون لو انهم لم يدفعوا حتى فواتير الماء والكهرباء، متذرّعين في العموم الاغلب بسببين رئيسين، الأول، ان العراق بلد نفطي، فلا حاجة اذن لدفع الضريبة للدولة، والسبب الثاني، انّ لا خدمات مناسبة، وبالتالي، لا وجوب على المواطن، الدفع.
لست متخصّصا في الاقتصاد، والنظام الضريبي، لكن تجربتي في العيش في الغرب على مدى عقدين، تعزز مصداقية قدرة واردات الضريبة على بناء البلدان، وكيف يخلص المواطن لها، ويمتثل للقوانين الصارمة بحق كل من يتخلّف عن الدفع، حتى صار التهرّب الضريبي، من أكبر الجرائم التي يعاقب عليها القانون.
بعيداً عن التفاصيل الدقيقة، فانّ الموظف في بلد مثل هولندا، يتقاضى راتبا شهريا بنحو 4000 يورو، يتوجب عليه دفع نحو 1300 يورو، ضريبة عمل. وفي المجمل العام فانّ الفئة ذات الدخل الذي يتراوح بنحو عشرين ألف يورو، يتوجب عليها دفع ضريبة بنحو 35 بالمئة، أي ما يزيد على سبعة آلاف يورو، تقريبا.
المواطن الهولندي، صاحب معدل الدخل المنخفض (زهاء 1700 يورو)، وكذلك العاطل عن العمل الذي يتراوح معدل دخله بنحو 1400 يورو، يدفع الضرائب والفواتير، بشكل منتظم، وآلي، ولا مجال للتسويف، او التأخير عن السداد، بسبب الغرامات الهائلة التي ينجم عنها والتي تصل بين 30 % إلى 60 %، من اجمالي المبالغ غير المصرّح عنها.
لا مفرّ من دفع ضريبة العمل، التي هي من اهم موارد الخزينة الوطنية، بينما ضريبة التأمين الصحي تحتل نسبة 15 % من إجمالي الراتب. ولا أنسى الإشارة الى التأمين التقاعدي ونسبته نحو 10 % من المعاش الشهري، وتأمين البطالة ونسبته نحو 2 % من الدخل الشهري، بينما تأمين الرعاية يصل الى زهاء 2 % من إجمالي الراتب، فضلا عن انّ مجموع الضرائب على تلوث المياه والقمامة، واقتناء كلب في البيت، تصل الى نحو خمسة يورو شهريا.
لا يقتصر الأمر على ذلك، اذ لا يتبرّم الهولنديون، لاسيما رجال الاعمال والتجار، من الرقابة الضريبية، وهم يتوقعون التفتيش والتدقيق بشكل دوري ومنهجي، فيما لا مفرّ أمام الموظف العادي من الادلاء بتصريحه الضريبي، نهاية العام، تفاديا للغرامة.
بعيدا عن الضرائب المباشرة، وددتُ انْ يطّلع المواطن العراقي على ما يسدده الفرد من فواتير في بلد مثل هولندا.
فعلى افتراض ان معدل الدخل هو في حدوده الدنيا، أي نحو 1600 يورو، فانّ عليك ان تسدد أجور السكن البالغة
نحو 400 يورو شهريا، والتأمين الصحي بنحو 80 يورو للشخص البالغ، وتأمين اثاث البيع بنحو 10 يورو شهريا، وضريبة السيارة البالغة نحو 30 يورو شهريا، وتكاليف الماء بنحو 10 يورو شهريا، والكهرباء، بنحو 100 يورو شهريا، والانترنت مع التلفاز بنحو 50 يورو شهريا، فضلا عن أعباء مالية أخرى.
بعد كل هذه الأرقام تبدو المقارنة ممكنة، مع الواقع في الداخل العراقي، والعمل على تطوير قوانين الضريبة في العراق، بما يجعل المواطن يتمكن من الدفع، بعد ان يكون قد عزز ثقته بالدولة، ومؤسساتها، وبعد ان يشعر بان ما يدفعه ينعكس بشكل جلي، على توفير الخدمات من ماء وكهرباء وانترنت وطرق وبنى تحتية، عندئذ، سوف نجد مواطنا إيجابيا في تفاعله مع الواجبات المالية الملقاة على عاتقه، تجاه الدولة.
حدّثني خبير مالي عن انّ أول قانون للضريبة في العراق كان في العام 1927، تلاه قانون 113 العام 1982، ومنذ ذلك الوقت، لم يشهد التشريع الضريبي أي تجديد، بينما فعلت الحروب والأوضاع غير المستقرة فعلها في انهيار اليات الجباية الجدية. لنعترف بان الثقة المتبادلة، هي الأساس في نجاح النظام الضريبي، فحين يشعر الفرد بان الضرائب التي يدفعها ستتحول الى مشاريع خدمة وتطوير، فانه سيكون أكثر تعاونا مع النظام الضريبي، لا يميز بين الفئات الاجتماعية، ولا يهدر المال العام، سواء عبر الانفاق غير الصحيح، او الفساد.