دور المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية في العراق

اقتصادية 2019/08/31
...

د. بشار قدوري 
 
 
تعد المصارف الاسلامية في الوقت الحالي جزءاً من التجارة المصرفية العالمية، إذ اثبتت جدارتها بين المؤسسات المالية والمصرفية التقليدية، من حيث الخدمات المقدمة للزبون ونسبة الارباح للاسهم كشركات او كافراد، لذلك لابد من القاء نظرة على نشأة فكرة البنك الاسلامي ومراحل تطورها الى ان وصلت لشكلها الحالي .
ان اول من استعمل فكره القرض المالي هو الصحابي عبدالله بن الزبير، إذ كان محل ثقة وامانة بين اصحابه والذين كانوا يودعون اموالهم عنده، ولكنه كان لايقبل الاموال الا ان تكون قرضا لا امانة، وهذا اول تعامل صيرفي لاستثمار الاموال والفكرة التي بنيت عليها البنوك الاسلامية، وكذلك تجد في الاسلام مثالاً اخر لفكرة السندات المالية، حيث كانت تصدر بالمدينة المنورة سندات ورقية يثبت بها اسم المستحق والقيمة المالية ووقت الصرف، إذ كانت تصدر هذه الاوراق للاسر في المدينة كمعونات لهم في عهد  والي المدينة. 
ان اوائل المصارف الإسلامية من ناحية المضمون فقط وليس الشكل والمسمى في التاريخ المعاصر هو صندوق الحج الماليزي، حيث أنشئ للحجيج فقط في استثمار اموالهم وزيادتها اسلاميا وفق الشرع الاسلامي لاجل ذهابهم الى الحج في سنة 1958، وكذلك في الفترة نفسها انشئ بنك ناصر الاجتماعي في مصر وكان يعين الفلاحين والصناعيين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بطريقة المضاربة والمشاركة، وفي سنه 1975 كانت مبادرة من عدة دول اسلامية لانشاء بنك وفق الشرع الاسلامي وهو البنك الاسلامي للتنمية ، لكنه كان بنكا بين الدول الأعضاء ولاينسجم مع الافراد كزبائن، اما اول البنوك الإسلامية من الناحية التجارية فهو بنك دبي الإسلامي 1974، ثم بنك فيصل الإسلامي المصري 1977، والبنك الإسلامي الاردني 1977، وبنك التمويل الكويتي وبنك فيصل الإسلامي السوداني 1980 وبعدها انتشرت الفكرة في اغلب البلدان العربية والإسلامية، وايضا فتحت فروع لها في دول غربية لخدمة الجاليات الإسلامية هناك . 
بعد ان استعرضنا بداية المصارف  والتمويل الإسلامي ، كان لابد لنا من ان نبرز دورها في المجتمعات الاسلامية لو كانت تعمل بشكلها الصحيح مع قبول المجتمع الاسلامي وتقبله لفكرة المصرف الاسلامي ورفضه لفكرة الربا، إذ أن من اهم اسباب استمرار عمل المصارف الإسلامية بالتوسع وتقديم الخدمات المصرفية هي صيغها المختلفة حيث تتنوع بين التمويل و التجارة و الزراعة والصناعة الى اخرى وسأوجز كل صيغة على حدة لنعرف ماهي فائدتها على المجمع والدولة .
ينقسم التمويل الاسلامي الى صيغ مختلفة وتصب في المرابحة والمضاربة وهي اهم صيغتين اسلاميتين واكثرهما رواجا .
 
التمويل بالمرابحة :
المرابحة في اللغة، مصدر من الربح و هي الزيادة
وهذا النوع من التمويل يعرفه الفقهاء والاقتصاديون المسلمون: بأنه عقد بيع سلعة معينة موجودة أو تحت التشغيل وبمواصفات محددة ويتفق المشتري مع البائع على أن يدفع المشتري قيمة تكلفتها الفعلية والمحددة بمعرفة البائع مضافة إليها نسبة مئوية من الربح متفق عليها ، ويجوز تسديد قيمة الشراء على أقساط، والبنوك الإسلامية عادة تزاول هذه العملية للعملاء في السلع التامة سواء من سوق محلية (مرابحة محلية) أو السوق الخارجية (مرابحة خارجية) وأجاز الفقهاء أن تكون الزيادة متمثلة في نسبة مئوية من الربح مع عدم ثبات هذه النسبة لكل السلع وهذا ما تقوم به البنوك الإسلامية.
 
التمويل بالمضاربة :
وهى من أقدم العقود المتعامل بها وأكثرها مشروعيةً  
المضاربة لغة من ضرب  يضرب وفي الإصطلاح، هي عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع أحدهما للآخر مالاً يملكه ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو نحوهما بشرائط مخصصة، وقد ضارب الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها بمالها وسافر بها إلى الشام قبل أن يبعث، وقد كان معمولاً بها في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أقرها.
ويشترط في المضاربة الشروط التالية، أن يكون رأس المال نقداً، وأن يكون معلوماً، كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق، وأن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوماً بالنسبة .
كما يعتبر عقد المضاربة البديل الإسلامي للتمويل على أساس القرض وهو ما يتم تطبيقه في البنوك التجارية المعتادة.
 
التمويل بالمزارعة: 
عرفها الفقه المالكي بأنها  الشركة في الزرع، وتقوم هذه الصيغة أساسا على عقد الزرع ببعض الخارج منه، وبمعنى آخر يقوم مالك الأرض بإعطاء الأرض لمن يزرعها أو يعمل عليها، وهذه الصيغة لم تطبق سوى من بعض البنوك السودانية، ويرجع ذلك إلى الأهمية البالغة التي يكتسيها القطاع الفلاحي إذ يمثل مصدر دخل رئيساً لأكثر من 75 بالمئة من السكان، ونتمنى ان تطبق هذه الصيغة في مصارفنا الاسلامية خاصة ان العراق يمتلك مؤهلات ليكون بلداً زراعياً لكثرة الاراضي ووفرة مياة السقي .
 
التمويل بالاستصناع 
الاستصناع عقد بيع في المستصنع (المشتري) والصانع (البائع) بحيث يقوم الثاني بصناعة سلعة موصوفة (المصنوعة)، والحصول عليه عند أجل التسليم على أن تكون مادة الصنع وتكلفة العمل من الصانع، وذلك في مقابل الثمن الذي يتفقان عليه وكيفية سداده.
وتكمن أهمية هذه الصيغة في تمويل البنك للمشاريع الصناعية، فيعمل على تشغيل الطاقة الإنتاجية العاطلة عند بعض عملائه الصناعيين، وفي العراق نستطيع عمل عقد الاستصناع للمعامل والمشاريع الصناعية المتوقفة خاصة وقد تجاوز عدد المصانع المغلقة الى النصف منها، ومنع توجه العراق من بلد مصنع الى بلد مستهلك . بذلك قد اوجزنا انواع التمويل الاسلامي وفرص الاستثمار فيها من خلال المضاربة والمرابحة والمزارعة والاستصناع  فان الهم الشاغل للدول المتقدمة هو تنوع الموارد الاقتصادية وهذا يؤدي الى تنمية حقيقية تدر عائداتها على البلد وكذلك يعزز من اقتصاديات الدولة من خلال تنوع مصادر العائدات النقدية وهو الذي يجعل العراق بلداً متقدماً في كل المجالات.