سُوسيولوجيا السِّياسة الفساد بوصفه مؤسَّسةً مجتمعيَّة

ثقافة 2019/09/06
...

 د. محمَّد حسين الرفاعي
 
[I] 
يُتساءلُ عن الموضوعات- أشياء العالَم، والوجود المجتمعيّ، بوصفها مفاهيمَ. كما يُتساءلُ عن المفاهيمِ بوصفها موضوعاتٍ وجوديَّةً مُمارَسةً- ومُعاشةً داخل العالَم- والوجود المجتمعيِّ، بوصفهما كذلك، وكيف أنهما كذلك. فإنْ أُخذَ الفساد، كمؤسسة مجتمعيَّة، معنى ذلك أن التَّساؤل عنه ينطلق من البنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث. ضمن بينة الثقافة، وبينة الاِقتصاد، وبنية السياسة. فكيف يُمكن أن نتطلق بـ[التَّساؤل- التَّفكير- الفهم] بالفساد، من جهة البنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث؟ 
[II]
عن البِنى المجتمعيَّة تنتج فعاليَّات مجتمعيَّة تستمد معناها، ودلالتها، وهدفها، ومشروعية وجودها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، من إحدى البِنى المجتمعيَّة. فإذن، إنَّنا، في التَّساؤل، نكون أمام اللوحة الفكريَّة الأوليَّة الآتية: [[المجتمعيّ] المؤسسة المجتمعيَّة البِنيَة ، الفعاليَّة، الفعل المجتمعيّ، الفساد]. فالفساد، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، متى أخذ ضمن بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة، هو ينتمي إلى جذر مجتمعي يُحدد بالاِنطلاق من حقول مجتمعيَّة ثلاثة، على أقل تقدير. 
 [III]
I- الحقل المجتمعيّ الأول لتحديد الفساد يتمثَّل بحقل الدِّين المجتمعيِّ، والمشروعية الدينية لممارسته. ضمن هذا الحقل ينطلق تساؤل التحديد من مفاهيم أساسيَّة هي، على أقل تقدير، تشتمل على حقول الفهم الآتية:
I-I- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم الجماعة الدينية [المجتمعيِّ- الديني]. والتساؤل عن معنى اِجتماع الأفراد فيها، ودوافعهم، وماهية روابطهم، وتشكلاتهم المجتمعيَّة، ومعنى [المجتمعيّ- الديني] بوصفه كُلاً آيديولوجيَّاً قائماً على رؤية كُلِّيَّة للعالَم، والوجود، والمجتمع، والإنسان. 
I-II- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم القرابة، وتحديد شجرة القرابة، آنثروبولوجيَّاً.
I-III- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم المرجع المجتمعيِّ (لا الديني فحسبُ). وحقل الصراع المعرفيّ، ضمن هذا الحقل، بين المواقع المجتمعيَّة المختلفة للمراجع المختلفين، فيما بينهم. 
ولكن من أين يستمد الفساد مشروعيَّته، وكيف يمكن أن نتساءلَ عن مصادر مشروعيَّة الفساد؟ ما هي هذي المصادر، وكيف هي تُحدِّدُ للفساد حقل وجود مجتمعيٍّ، سمته الأساسيَّة الديمومة؟ من أجل دراسة ذلك، يجب أن نبحث عن مصادر المشروعيَّة التي من شأن الفساد، ضمن وحدة التَّساؤل عن الفساد. 
 [IV]
II- الحقل المجتمعيّ الثَّاني لتحديد الفساد يتمثَّل بجملة العلاقات المجتمعيَّة التقليدية (عشيرة، قبيلة، عائلة، جماعة، مفهوم الذكورة، مفهوم الفحولة، ...إلخ)، التي لا تنفك تحضر في كل تفاصيل الوجود المجتمعيّ في [اليوميَّة]، ووحدة العلاقات المجتمعيَّة، تاريخيَّاً، المنتمية إلى الأمس الأزلي.
[V]
III- الحقل المجتمعيّ الثَّالث لتحديد الفساد يتمثَّل بوحدة [المعرفة- والسلطة]، وما ينتج عن هذي الوحدة المجتمعيَّة من أشكال، وتجسُّدات، وجماعات فعل مجتمعيٍّ مختلفة، ومتعددة ومتنوعة. يقوم، ضمن هذا الحقل، التَّساؤل بوصفه متفحِّصاً لماهية مشروعيَّة السلطة، وخصوصيتها، وكيفيَّة ممارستها، ومصادرها. 
[VI]
وبناءً على ذلك، فمتى تساءلنا عن الفساد بوصفه مؤسسة مجتمعيَّة قائمة على بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة، فإننا نتساءل اِنطلاقاً من التدرج الآتي: التَّساؤل عن المؤسسة المجتمعيَّة، وركائزها المجتمعيَّة← التَّساؤل عن البِنيَة والحقول المجتمعيَّة داخل البنية← التَّساؤل عن الفعاليَّة المجتمعيَّة، والفعل المجتمعي← التَّساؤل عن المواقع المجتمعيَّة داخل الحقل المجتمعيّ داخل البِنيَة المجتمعيَّة داخل المؤسسة.
...بَيْدَ أنَّهُ ما هي تلك القوانين التي تستند إلى بِنيَة الثقافة، لحماية الفساد؟ إنَّ التساؤل هذا إنَّما هو تساؤل بِنيَة السياسة، ومفهوم السلطة، والمشروعية التي من شأن السلطة.