هل يعيش المتفائلون أكثر من المتشائمين؟

اسرة ومجتمع 2019/09/20
...

لورين شاركي- موقع “باسيل”
ترجمة: مي اسماعيل
هل أنت شخص يؤمن أنّ المستقبل سيكون سعيداً؟ أم تميل لتصور أسوأ الأحداث فيه؟ مهما تكن وجهة نظر الانسان فباستطاعة ذلك التوجّه التأثير على مدة حياته؛ وهذا ما كشفت عنه دراسة حديثة أجرتها أكاديمية “PNAS” (= وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأميركية) ونشرته مجلتها العلمية.. تتلخص بأنّ المتفائلين يعيشون مدة أطول من المتشائمين. 
شملت الدراسة سبعين ألف امرأة مقابل ألف وخمسمئة رجل، جرى فيها تقييم مفاهيم كل من المشاركين لاكتشاف نسب التفاؤل التي يشعرون بها وتدقيق صحتهم العامة. أجاب المشاركون أيضا عن أسئلة حول نظامهم الغذائي وتمارينهم الرياضية وعادات حياتهم اليومية، ومنها- تناول الكحول والتدخين. دُرِسَت بيانات النساء طيلة عقد كامل، بينما جرى تتبع بيانات الرجال لثلاثة عقود. وفي نهاية كل مرحلة زمنية توصل الباحثون الى خلاصة بأن لأكثر النساء والرجال تفاؤلا فرصة تتراوح بين 11-15 بالمئة للعيش فترة أطول. ومقارنة بأشخاص كانوا أقل تفاؤلا؛ كان للمجموعة الأولى احتمالية العيش حتى سن 85 سنة. بقيت تلك الفرصة قائمة حتى عندما دخلت عناصر اخرى (مثل الظروف الصحية والوضع الاجتماعي- الاقتصادي ونمط الغذاء والتدخين) في تلك المعادلة وأخذت بنظر الاعتبار.  
 
محاربة شيخوخة الخلايا
تقول البروفسورة “لوينا لي” (استاذ مساعد بعلم النفس- كلية الطب/ جامعة بوسطن): “تقترح دراستنا احتمالية أن رفع معدلات التفاؤل قد يعزز إمكانية إطالة عمر الانسان وجودة الصحة خلال الشيخوخة”.. لكن القائمين بالدراسة ليسوا متأكدين فعليا من أسباب تلك النتائج؛ مع أن لديهم بعض النظريات حول الأمر. تستطرد “لي” قائلة: “لا يقدم نمط الحياة الصحي وانخفاض معدلات الكآبة سوى تفسيرات جزئية لمخرجات الدراسة؛ فالأدلة الأولية من دراسات أخرى ترى أن الأشخاص الأكثر تفاؤلا يميلون للتوجه نحو أهداف حياتية ويثقون بأنفسهم للوصول اليها، وهم أكثر تأثيرا عند تقديم حلول للمشاكل التي تصادفهم، وقد يكونون أفضل في تنظيم عواطفهم أثناء المواقف
 العصيبة”. 
يشرح البروفيسور “بروس هود”، رئيس قسم “علم النفس التنموي في المجتمع” بجامعة بريستول، كيف تتأثر الصحة إيجابيا بالتعامل الجيد مع التوتر وضغوط الحياة، قائلا: “يؤثر التوتر على نظام المناعة، لذا فهناك إمكانية بتعامل المتفائلين بصورة أفضل مع الالتهابات والأمراض”. أشار “هود” أيضا أن دراسات سابقة وجدت علاقة بين التوتر وبين التيلوميرات القصيرة “telomeres” (= هياكل مركبة في نهاية الكروموسومات. المترجمة) قائلا: “التيلوميرات إحدى مكونات الكروموسوم التي ترتبط بمعدلات شيخوخة الخلايا وخطر الاصابة بأمراض القلب والسكر والسرطان”. 
 
تدريب للتفكير الايجابي
يبدو أنّ فكرة أن المتفائلين يعيشون حياة أطول تعود الى سنة 2000؛ حينما درس الباحثون حالات أكثر من مئة مريض يتلقون علاجات في عيادة “مايو كلينيك” بمنيسوتا، ليكتشفوا أن المتفائلين عموما يعيشون بنحو 19 بالمئة أطول من المتشائمين. وفي سنة 2009 وجد فريق بحثي من جامعة بيتسبيرغ أن النساء المتفائلات كن أقل عرضة للموت بنسبة 14 بالمئة لأي سبب كان من النساء المتشائمات. وقارنت أحدث دراسة واسعة النطاق بين نوعي الشخصيات (متفائلة ومتشائمة) وكشفت عن نتائج مماثلة.. أُجريت تلك الدراسة سنة 2017، وتوصلت الى أن المتفائلين أقل عرضة للموت بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان وأمراض الرئة أو الالتهابات.. وهي دراسة شاركت فيها أكثر من سبعين ألف امرأة خلال ثماني سنوات. 
رغم أنّه يتوجّب إجراء المزيد من البحوث والدراسات لتأكيد أسباب ونتائج هذه الحالة؛ لكن الدلائل تشير لوجود علاقة حقيقية بين التفاؤل وسنوات حياة أطول.. ولحسن الحظ يمكننا تدريب أنفسنا على التفكير بهذه الطريقة. وأخيرا، تقول البروفسورة “لي”: “تشير الدلائل المستقاة من تجارب الاختبارات العشوائية إلى أن التوقعات؛ مثل تصوّر مستقبل يتطور فيه كل شيء بشكل جيد، أو تلقي علاج سلوكي إدراكي أكثر كثافة؛ يمكن أن تزيد من مستويات التفاؤل؛ لتنعكس ايجابيا على الصحة وعدد سنوات العمر”.