الزواج والطلاق المبكران وآثارهما المجتمعيَّة الخطرة

اسرة ومجتمع 2019/09/20
...

              د.عبد الواحد مشعل
 
وأنت تدخل الى أي دار عدلية في مدينة بغداد أو المحافظات، وتقترب  من غرف قضاة الأحوال الشخصية حتى تثير اهتمامك ظاهرة جديدة بدأت تتفاعل في المجتمع العراقي منذ بضع سنين وهي الزواج والطلاق المبكران، الأمر الذي دفعنا للكتابة عنها، والوقوف على مخاطرها على المجتمع حاضرا ومستقبلا، بعدها من أهم المشكلات التي تواجه الأسرة العراقية المعاصرة،
 
                                            
مشكّلةً تحديا اجتماعيا كبيرا على تماسك الأسرة وقيمها، فضلا عما تشكّله من مخاطر  جسيمة على الحلقات الضعيفة في بنية المجتمع ولاسيما المرأة والطفولة، وكذلك على القيم الأسرية، وتهديدها لمنظومة قيمها الأخلاقية، وهي لا تقل أهمية عن ظاهرة العنف الموجه ضد الأطفال والمرأة، بل إنّ الزواج والطلاق المبكرين، هما نوعان من أنواع العنف في المجتمع ليس فقط ضد الطفولة إنما ضد الأسرة المعنية أيضا. 
 
التراجع الحضاري
الإشكالية الأساسية التي يمكن التأكيد عليها في هذا المجال، أنّ هذه الظاهرة أخذت بالازدياد في الوقت الحاضر تحركها أسباب عديدة أبرزها التراجع الحضاري الذي أصاب المجتمع في المرحلة الحالية، وتزايد قناعة الأبوين بأنّ الزواج المبكر للأبناء يمثل حماية لهم من الانحراف في وقت  ضعفت فيه الرقابة الأسرية مع تزايد استخدام وسائل الاتصال الحديثة، وتحت ضغط عوامل اقتصادية شتتت الاهتمام بالأسرة  ومتطلباتها المتجددة، حتى أخذت تتفاعل الظاهرة تصاعديا بفعل تأثير كل ذلك في عقول الأفراد سواء المعنيين بالزواج المبكر أو ذويهم مما دفعهم إليه من دون التفكير بالجانب الأخلاقي، والاستفسار أو السؤال عن سلوك المتقدم للزواج أو عن  ثقافة أسرته وسلوكيات أفرادها، وفي بعض الأحيان يتم الزواج بضغط من الأبوين من دون أن يكون لأبنائهم رأي واضح بسبب اعتقاد الوالدين بعدم النضج النفسي والاجتماعي لأبنائهم وعدم رؤية مصلحتهم بوضوح، إذ يقعان أحيانا تحت إغراءات مادية أو جهوية لدفع أبنائهما الى الزواج دون التفكير في عواقبه الخطرة  عليهم.
 
وسائل الاتصال الحديثة
 وقد اتضح من خلال الاطلاع على بعض الآراء في هذا الشأن أن الجهل والأمية والفقر والخوف على الفتيات من الانحراف وتطبيق مقولة “البنت ليس لها إلّا بيت زوجها”، قد ساعد على تزايد وتفاقم الظاهرة فضلا عن انقطاع كثير من البنات الأطفال عن التعليم بسبب الفقر والجهل، والمشكلة الأساسية في هذا المجال أنّ الزواج والطلاق المبكرين تركا آثارهما الخطرة على  الأسرة أولا، وعلى ذوي العلاقة المباشرة الفتى والفتاة ثانيا، وعلى المجتمع ثالثا، إذ شكلا خرقا واضحا للاتفاقية الدولية لحقوق والإنسان، ولاسيما حقوق المرأة والطفل معا، لاسيما  إذا نتج عن هذا لزواج إنجاب أطفال ليجدوا أنفسهم -بعد طلاق أبويهما المبكر- في ظروف لا يحسدون عليها، فضلا عمّا يتركه الطلاق المبكر من آثار وخيمة على الأسر ، منها توترات نفسية واجتماعية على شخصية كلٍّ من الفتى والفتاة، إلّا أنّ وقعها على الفتاة - في أكثر الأحيان-  أشد وطأة، إذ تتعرّض المطلقات أو المنفصلات من هذا الزواج إلى الاضطهاد أو التهميش ومخاطر الانحراف السلوكي، مما يلقي بآثاره المدمّرة على المجتمع، لاسيما مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي أضحت في متناول الجميع.
 
قيم الطفولة
كذلك تبرز أهمية الظاهرة كونها آخذة بالازدياد والتفاعل في المحيط الاجتماعي محدثة قلقا متزايدا على تماسك المجتمع وأخلاقياته، بعدها تمثل حالة خرق واضحة لقيم الطفولة وأحلامها ما يضعها في مصاف مخاطر العنف ضدها،  لاسيما إذا كان هذا الزواج يتم بناء على مصالح أسرية أو لتحقيق فوائد مادية أو يقع خارج قناعة الفتاة، فضلا عن وقوعه تحت علم الأبوين بأنّ الفتاة أو الفتى يفتقد للمسؤولية الأسرية، إذ تشير الوقائع الميدانيّة إلى أنّ الزواج المبكر أخذت ترافقه حالات طلاق  مبكرة، وأصبحت العديد من الفتيات الصغيرات يعشن ظروفا قاهرة في الوقت الذي ينبغي أن تكون هذه الفتاة منصرفة إلى مواصلة تعليمها والعيش في 
أحلامها.
مستقبل مجهول
إنّ آثار حالات الزواج والطلاق المبكرين تتم في أجواء غير مدروسة وتظهر آثارها سريعا لاسيما بعد دفع المراهقين بموافقة أسرهم أو تحت ضغطهم إلى الانفصال السريع بعد تحقيق الحاجة الآنية من الاندفاع للزواج، ولاسيما بعد بناء إشباع الرغبات الجنسية وبعد أن يتم ذلك يواجه المتزوجون الصغار مسؤولية كبيرة لا يستطيعون مواجهتها مما يضطرهم إلى الانفصال، كما أنّ هناك زيجات وقعت سريعا انتهت بعد فترة قصيرة إلى 
الطلاق.
 إنّ نظرة متفحّصة للظاهرة وتداعياتها تجعلنا نقف ازاء مشكلة حقيقية تواجه الأسرة العراقية ما يجعل الزوجين - ولاسيما الزوجة صغيرة السن- يواجهان مستقبلا مجهولا ويعيشان حياة صعبة ويتعرضان إلى أزمات نفسية.
  
درجة الوعي
إنّ تغيّر  بنية الأسرة وطغيان المسائل المادية وتفكك الروابط التقليدية التي كانت تحافظ على رابطة الزواج، دفع الأسر إلى حثّ أبنائها إلى زواج غير ناضج، والمفارقة في هذا الموضوع أنّ الأسرة التي استقلت نسبيا عن تقاليد الأسر  التقليدية، عادت ومارست تلك التقاليد بشكل معكوس إذ شجّعت الزواج المبكر الذي طالما شجّعته الأسرة الريفية، إلّا أنّ هذه المرة جاء في زمن تراجعت درجة الوعي بشأن الحياة الأسريّة ومقوماتها السليمة، فكانت النتائج واضحة وهو الطلاق المبكر  وما يتركه من ويلات على مستقبل الأسرة في ظل ضياع المعايير التي كانت تحفظ للأسرة كيانها 
وتماسكها.