مثل الصبر الذي له حدود على “كولة” أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة “إنما للصبر حدود” فإن للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير حدوداً.
حدود الصبر والديمقراطية متلازمتان إن فلتت إحداهما يصبح الوضع خارج السيطرة.
فإن خرج الصبر عن حدوده ومن بينها المطالب المشروعة للمتظاهرين إن كانوا في العراق أو لبنان أو الجزائر أو السودان أو هونغ كونغ أو برشلونة، فإنه يتحول الى قمع وفوضى وإنقلابات وقتل ونهب وسرقة.
عندها لن يتحقق شيء، لا المطالب سواء كانت مشروعة أم ذات سقوف عالية أو الأمن والنظام الذي تسعى اليه الحكومات.
وفي المقابل حين تخرج الديمقراطية وحرية التعبير عن الحدود التي يكفلها الدستور والنظام العام في أي بلد من البلدان سواء كان راسخا في الديمقراطية أو “لحيمي” يحاول الطيران حتى لو”ناصي”، فإن الذي يحصل إما فوضى عارمة لا ينفع فيها دستور ولا نظام اجتماعي تكفله الأعراف والتقاليد أو عودة الى الدكتاتورية باسم الأحكام العرفية أو ربما إنقلاب يقوده الجنرالات، مثلما حصل في السودان وإن كانت المخرجات أفضل بكثير مما كان متوقعاً.
أين نحن مما يجري في العالم الذييتظاهر الآن بعضه منذ سنوات وبعضه منذ شهور؟.
أقصد أين موقعنا على خريطة هذه التظاهرات من هونغ كونغ في الصين الى كاتلونيا في إسبانيا وبينها الجزائر ولبنان، مع ملاحظة أن السودان سجل هدف الفوز في التصفيات الأولية وأنتقل الى الدور الثاني بعد أن تعافى من الحكم الدكتاتوري الذي جثم على صدره لمدة 30 عاماً قضاها رئيسه السابق عمر البشير بالرقص والفوضى.
لا نريد الذهاب بعيداً الى أقاصي العالم بحثاً عن قرين لنا في التظاهرات، بل سنكتفي بمثال قريب وفي بلد شبيه لنا هو لبنان.
فنحن ولبنان قماش واحد عرقياً وطائفياً وسياسياً الى الحد الذي حين نريد إدانة أنفسنا نطلق على نفسنا وصف “اللبننة” التي تعني رفض الحالة السياسية التي نحن فيها والتي تقوم على المحاصصة في كل شيء ولكل شيء وعن أي شيء ومن أجل أي شيء وأي “شيء في العيد أهدي
اليك؟”.
وفي مقابل ذلك فإن اللبنانيين حين يريدون إدانة أنفسهم يطلقون على وضعهم بـ “العرقنة” توصيفا لحالة مرفوضة من قبلهم، متمنين أن يتخلصوا منها بأي ثمن.
كان الثمن هو التظاهرات غير المسبوقة التي تجتاح كل لبنان.
والأهم أن معظم شعارات هذه التظاهرات شبيهة الى حد كبير بشعاراتنا، لاسيما مفردة “كلهم” التي يطلقها متظاهرونا ضد الطبقة السياسية والتي تعني لا استثناء لأحد من قائمة الفشل أو الفساد.
في لبنان فإن المفردة التي شاعت عندهم والتي هي من آثار العرقنة هي مفردة “كلن” أي لا استثناء لأحد.
الفارق بين الحالين انتفاء لوصفي اللبننة والعرقنة.
فنحن نتمنى أن “نلبنن” تظاهراتنا بحيث تشبه تظاهرات لبنان التي هي أشبه بكرنفال جميل لا حرق اطارات ولاقناصين ولامندسين ولا “جيب” اللجنة و”ودي” اللجنة.
واللبنانيون يعملون بكل طاقتهم أن لا “يعرقنوا” تظاهراتهم لأنهم حريصون ألاّ تتحول الى ساحة معركة دونها معارك الطرف الأغر أوالعلمين أو حتى موقعة أحد التي لم يسقط فيها أقل من نصف ماسقط من شهداء وجرحى مع إنها نشر دين جديد لا.. فرص
تعيين.