من بين ركام التصريحات التي ادلى بها مسؤولو الدولة العراقية ومن ضمنهم رؤساء السلطات الثلاث حيال احتواء الازمة التي مرت بها البلاد خلال التظاهرات المليونية التي اندلعت مؤخرا ما اسفر عن وقوع الكثير من الاصابات في صفوف المتظاهرين والقوات الامنية على حد سواء، فقد وضع الرئيس الدكتور برهم صالح النقاط على الحروف حول الاسباب التي أدت الى الانفجار المتوقع.
واشار الى مكمن تلكم الاسباب التي ادت الى الاحتقان الجماهيري وبهذا الشكل وشخّص الرئيس صالح جوهر المشكلة، الذي يكمن في ثلاثة امور رئيسة، وهي البؤس واليأس وانعدام ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية جملة وتفصيلا، عكست جميعها ازمة ادارة الدولة، منذ اكثر من خمسة عشر عاما، وفشلها في معالجة مظاهر الفساد، والضعف الهيكلي لبنية مؤسساتها.
فضلا عن ترهّل الكثير من مؤسساتها كمجالس المحافظات والاقضية النواحي، التي تحولت الى فضاءات للصراع السياسي بين الاحزاب، إذ كان لها أثرها السلبي في تعطيل كثير من برامج التنمية والخدمات، وتنفيذ المشاريع ذات العلاقة بهموم الشارع العراقي .
فالبؤس لوحده كان دافعا رئيسا لاشعال الوضع في اغلب الثورات والانتفاضات، وما الثورة الفرنسية الاّ مثال حي على مانقول تتبعها بقية الثورات التي كان البؤس المدقع والصارخ والمتأتي من عدة امور منها العيش بالإكراه تحت خط الفقر، والمحرومية المزمنة الناتجة عن عدم العدالة في توزيع الثروات الوطنية ومغانم السلطة وبالتساوي على عموم المواطنين، لذا نجد تفاوتا كبيرا ومجحفا في دخولهم وبونا شاسعا بين مستوياتهم الاجتماعية ما يحفّز المواطنين الاكثر فقرا وبؤسا وشظفا الى المطالبة بحقوقهم ومساواتهم مع الشرائح المرفّهة والاكثر غنى.
خاصة وان كان ذلك الغنى والرفاه على حساب البقية، إما عن طريق الفساد او التحايل على القانون ويزداد الطين بلة ان رافق هذا البؤس وجود بطالة مقنعة خاصة بين صفوف الشباب والخريجين ، والادهى من ذلك ان يكون البلد بلدا غنيا كالعراق، لذا لاعجب من حدوث انفجار شعبي هائل ورافض للعملية السياسية التي كانت سببا لمعاناتهم وهو ما حصل في الايام الاخيرة الفائتة، يضاف اليه الاحباط العارم والشعور باليأس من حاضر مؤلم ومتخم بالفقر والخوف من مستقبل مجهول، فمن يعيش في عشوائيات غير قانونية ويكون مهددا بالطرد منها في اي وقت ومن ليس له مورد مالي لائق، ناهيك عمن افنى عمره في التحصيل الدراسي واخذ شهادة جامعية او حصل على درجة علمية كبيرة في الدراسات العليا من حقه ان يخرج ويتظاهر ويطالب بحقوقه وحقوق عائلته، لاسيما وان هذا الحق قد كفله الدستور العراقي
الدائم.
اليأس من الاستمرار الخاطئ للعملية السياسية التي استمرت حسب منهج الديمقراطية ـ التي انهالت فجأة على العراق دون تمهيد مبرمج ـ التمثيلية وبالنسق التحاصصي / التشاركي وهو منهج لم يجلب الخير للعراق وهو نظام عرقل خلال عقد ونصف من الزمن جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، وكان قد اريد له ان يستوعب التناقضات الاثنية / الطائفية للنسيج المجتمعي العراقي، لكنه فشل فشلا ذريعا في ذلك، ناهيك عن الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة بسبب المحاصصة التوافقية سيئة الصيت التي فُرضت على العراق بأسوأ صورها، والسبب الاكثر خطورة، كما اشار اليه الرئيس صالح هو انعدام ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية برمتها وبالإجراءات التنفيذية التي كانت تطرح عقيب انتهاء التظاهرات التي كانت تندلع سابقا، فهي لم تقدّم شيئا للمواطنين المطالبين
بحقوقهم.
فقد وضع الرئيس صالح خريطة طريق لحل هذه الازمة بتشكيل لجنة حوار مع المتظاهرين من العقلاء والحكماء وفتح حوار سياسي شامل وبناء لدعم الاصلاح و تشكيل كتلة وطنية كبيرة، فضلا عن دعم اجراء الحكومة لأداء تعديل حكومي جوهري وتفعيل المحكمة المختصة في ملفات الفساد ومنع اي استثناء ودعم الاسراع بتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي واطلاق درجات فورية في الموازنة و اعادة النظر بالقانون الانتخابي و تشريع قانون جديد وستتولى الرئاسة تشكيل فريق حوار وتشكيل مفوضية مستقلة، اضافة الى المباشرة بفتح حوار وطني لمعالجة الاختناقات في المنظومة السياسية وكان يفترض على الدولة تلبية جميع تلك الامور في السنوات الأولى بعد التغيير النيساني.