الوعود والغضب

آراء 2019/10/25
...

د. حسين القاصد 
 
غضب جماهيري كبير واستياء أكبر يجتاحان جميع أنحاء البلاد، ويهيمنان على الوجدان العراقي.
في أكثر من مناسبة، كتبنا هنا في جريدة الصباح الغراء، وناشدنا في لقاءاتنا التلفزيونيَّة، وقلنا لا بدَّ من الالتفات لصوت المواطن الذي أوصله العوز والحرمان إلى درجة الغليان.
من بين ما كتبناه، وقد كان يظنه المسؤولون (كلام جرايد) ولا يكترثون ولا يأبهون، أقول: إنَّ من بين مقترحاتنا هنا، كان أن تنتقل الجامعات من وسط بغداد إلى حزامها وأطرافها، وكان ذلك في ذروة الاضطرابات الأمنية، وكانت غايتنا إحياء حزام بغداد وتحويله من مصدر قلق إلى واحة حياة، تزدهر بالمطاعم والأسواق، ثم تصبح مناطق سكن تنبض فيها الحياة، فضلاً عن تخفيف الاختناقات في شوارع بغداد التي يسببها الموسم
 الدراسي.
لكنَّ كلامنا بقي (كلام جرايد) يبحث فيها بعض المعنيين عن التسلية والكلمات المتقاطعة.
في كل محافظة من محافظات العراق هناك أحياءٌ تسمى على أسماء شرائح من المجتمع، وهو تأسيسٌ قديمٌ لم تعمل به حكومات ما بعد ٢٠٠٣؛ فلا محافظة في العراق تخلو من اسم (حي الضباط) و(حي الجامعة) و(حي الأطباء) و(حي المعلمين) والحي العسكري وحي الشهداء؛ لكننا صرنا نعمل بمزاجية أمانة بغداد، وإهمال السلطات لبقية شرائح المجتمع.
يحصل موظف أمانة بغداد على الأفضلية والأولوية في الحصول على قطعة أرض وسط بغداد وفي أرقى أحيائها، بينما يكون نصيب الشهيد في منطقة نائية عن حدود بغداد اسمها (الصابيات) تقعُ في مكانٍ ناءٍ من جهة مدينة الشعلة، ولم تصلها كل الخدمات بما في ذلك خدمات أمانة بغداد، وهو الأمر الذي أثاره أحد المواطنين في لقاء ممثلي التظاهرات مع السيد رئيس مجلس النواب أثناء استماعهلمطالبهم.
إنَّ من أهم حقوق المواطن على دولته هو السكن والعيش الكريم الذي يضمن حق التعليم والضمان الصحي وتوفير الأمان؛ لكننا لم نرَ حيّاً سكنياً جديداً للأطباء أو للمعلمين أو للمهندسين، بينما يحصل موظف أمانة بغداد على قطعة أرض في أرقى المناطق ليتسبب بالهجنة المجتمعيَّة، فضلاً عن استغلال مؤسسته بصفتها مالك
 الأرض.
ستة عشر عاماً، ولا جديد على مستوى السكن، وحين تسلمت حكومة السيد عادل عبد المهدي زمام الأمور، كان من بين أهم وعودها هو توفير السكن وتوزيع قطع الأراضي للتخلص من السكن العشوائي، لكنَّ أهل العشوائيات وجدوا أنفسهم خارج عشوائياتهم، بمواجهة المصير المجهول.
مشاريع كبيرة مؤجلة، ومجمعات سكنية بقيت بين الحبر والورق، ومنها مجمع الأخوة الجامعي فضلاً عن استحقاقات جميع شرائح المجتمع.الآن، وبعد غضب الشارع، لنا أنْ نتساءل: متى تصل الخدمات إلى منطقة (الصابيات) الخاصة بالشهداء؟، وكيف تصل وموظف أمانة بغداد يحصل على سكنه في أرقى أحياء بغداد؟ ومتى تنتبه الدولة لعلمائها وشرائحها كافة؟ نتساءل فقط وليكن (كلام جرايد) أيضاً.